الخميس 17 أبريل 2014 / 14:41

انتخابات الجزائر: عفريت الفوضى الخلاقة

24- سليم ضيف الله

يُلبّي الجزائريون نداء الواجب الانتخابي باختيار رئيسهم القادم في مرحلة أبرز ملامحها التوتر والضبابية والخوف من المستقبل بفعل التطورات الخطيرة والمتسارعة التي يتابعها أكثر من ستة وثلاثين مليون جزائري، وثلاثة وعشرين مليون ناخب بكثير من التوجس والتطير، وفي البال الأحداث الفظيعة التي مرت بها "البيضاء" في عقد التسعينات الدامي بعد أن عصفت بها حربٌ أهليةٌ غيرُ معلنةٍ لا تزال آثارها بادية على البلاد واقتصادها وعلى الشعب ونفسيته.

 وتكتسب هذه الجولة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي أهمية مضاعفة بعد تصدّي الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة لما يسمى في الجزائر بالـ"عهدة" الرابعة، ما تسبب في انقسام حادّ بين مؤيد ورافض لولاية جديدة "لبوتاف" اسم الشهرة للرئيس بوتفليقة.

وإذا كان المعارضون وهم كثر من اليسار واليمين، حسموا أمرهم بالدعوة إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي لحرمان بوتفليقة من شرعية التصويت باعتباره الرئيس القادم بالضرورة، فإن المعارضين الآخرين الذين قبلوا بخوض غمار التجربة وعلى رأسهم المنافس القوي ورئيس الحكومة السابق علي بن فليس، وبدرجة أقل المرشحين الأربعة الآخرين، يرون في الموعد الانتخابي الحالي، فرصة ولو ضئيلة للنجاح بالاعتماد على الاتهام المسبق للرئيس الحالي والنظام بالتزوير، ما يضمن لهم مكاناً أفضل في المشهد السياسي الجزائري، وفي أسوأ الاحتمالات يضمن لهم ذلك دوراً أكبر ومكاسب سياسية أفضل عند التفاوض مع الرئيس بوتفليقة في حال إعادة انتخابه على رأس البلاد.

وفي المقابل، يرى أنصار الرئيس بوتفليقة ومؤيدوه من غير المتحزبين في الرجل، قارب النجاة أو سفينة نوح التي يمكن أن تقلّ الجزائريين إلى شاطئ الأمان باعتباره الأقدر على تأمين سلامتهم في رحلة جديدة محفوفة بالمخاطر والتهديدات بسبب ما عرفته المنطقة من تونس إلى ليبيا وبدرجة أقل في المغرب الأقصى، من مآسي وخسائر بعد اندلاع انتفاضات "الربيع العربي" وهم الذين قاسوا الأمرين لطي صفحة جبهة الإنقاذ الإسلامية وما تفرع عنها من حركات إرهابية كادت تعصف بالجزائر إلى الأبد.

ورغم تدهور حالته الصحية قبل سنة، ورغم غيابه اللافت عن الحملة الانتخابية وقلة تصريحاته، فيما عدا بعض التسريبات يبقى بوتفليقة في نظر أنصاره، النقطة التي تتقاطع عندها متناقضات الجزائر جميعها وصمام الأمان الذي يمكنه أن يمنع تفجر الوضع السياسي والأمني من جديد في الجزائر ومعه البلاد برمتها.

كما أن ماضي الرجل ونزاهته وصورته وخاصة صوته الذي تحول إلى ناطق باسم حركات التحرّر والعدالة والقضايا الانسانية عندما كان بوتفليقة على رأس الدبلوماسية الجزائرية طيلة حكم الرئيس الراحل الهواري بومدين، كلها عوامل تؤيد الدعوة للتجديد للرجل الذي يمكنه بما لديه من خبرة ومن علاقات ومن شرعية نضالية وتاريخية في تجنيب الجزائر خطر انهيار الجزائر التي تواجه تحديات لا تعدّ ولا تحصى.

فإلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها ورغم القدرات البشرية الهائلة والجغرافيا الشاسعة التي تجعل منها نظرياً أكبر وأهم دول افريقيا يواجه بوتفليقة وضعاً معقداً سياسياً بفعل التجاذبات ولكن أيضاً بفعل تركيبة المجتمع الجزائري المتنوعة بين بربر وافارقة وعرب، وبين سنة وإباضية ومسيحيين أيضاً ولكن أيضاً بسبب بؤر التوتر التي تمثلها بعض المناطق والمواقع سواء كان ذلك على الحدود مع تونس شرقاً أو المغرب الأقصى غرباً أو ليبيا ومالي ودول الصحراء جنوباً، مع استمرار تهديد الإرهاب الداخلي والخارجي.

فهل يحسم الجزائريون أمرهم اليوم بالرهان على الشرعية والنضالية رغم المشاكل الصحية والاتهامات الموجهة لمحيطها بالفساد والتغطية عليه، أم يضعون كلّ بيضهم في سلّة بن فليس مثلاً الذي وعد بتخليص البلاد من"طاعون الفساد" مع التساؤل عن إحجامه عن ذلك عندما كان في السلطة.

أم تضطر المؤسسات وهي عديدة في الجزائر، بحكم تباين مراكز القوى وتعدد أقطاب النفوذ والمصالح للتدخل بإعادة الجيش إلى الإمساك بزمام الأمور كما كان الأمر بعد انتفاضة 1988 وبعد انتخابات 1991 وحمام الدم الذي تبعها، رغم خطورة هذه الخطوة داخلياً وإقليمياً ودولياً؟.

وهل يفضي هذه الوضع وما يتبعه إذا انحرفت الأمور إلى خروج العفريت الإسلامي بشقيه السياسي الإخواني والإرهابي المتطرف من قمقمه من جديد بعد طول تربص وتحيّن للفرص، لتسقط بذلك القطعة الأخيرة في المنطقة التي لم "تطاولها الفوضى الخلاّقة" السائدة في عدد من العواصم العربية منذ 2011.

إنها الأسئلة الحارقة والمزعجة التي لا يمكن لأحد غير الشعب الجزائري نفسه الردّ عليها ورفعها، وأن يُثبت أبناء المليون شهيد أنهم واعون بخطورة المرحلة التي هم عليها قادمون.