الجمعة 18 أبريل 2014 / 10:26

فضيحة .. تسريب جديد


أكثر العناوين إثارة وانتشاراً بعد الثورة هو "تسريب جديد"، وكأنك ستكتشف ما هو خفي عنك، وسيحل لك المعضلة وأسباب الضياع للوطن، محاولات بائسة تعمل بها إدارات فاشلة تستبيح خصوصية المواطنين لإرضاء غرورها في كونها تسير علي طريق مستقيم وأن هؤلاء المختلفين معهم هم أسباب فشلنا.

فضيحة، كشف المؤامرة، تسريب جديد، مصطلحات محورية تلعب بها السلطة في حربها مع المعارضين دائماً مثل التسريب الذي نشره رجال مبارك للصحفي عبدالحليم قنديل في مكتبه مع سيدة وهو يقبلها، وبها رسالة واضحة للجمهور أن هذا المناضل غير أخلاقي فكيف يتحدث بلسانكم، ولكن بعد الثورة كانت الفكرة معتمدة في برامج التوك شو، وبعد نجاح زيادة المشاهدة خصصوا لها برنامجاً خاصاً وأسموه "الصندوق الأسود" يعرض به مكالمات دارات بين النشطاء والسياسيين المحسوبين علي الثورة، مع العلم أني اختلف معهم في توجهاتهم السياسية في الفترة الأخيرة، وجاءوا برجل يردد ما يريدون توصيله للمتلقي، وهنا الرسالة الأخرى "شيطنة الثوار".

بعد إذاعة حلقات هذا البرنامج، طرحت بعض الأسئلة وبعض النتائج :

ما الهدف من إذاعة هذه التسربيات في برنامج خاص؟ ومن أعطاه كل هذه التسجيلات؟ هل يعمل في شبكة تجسس؟ هل "الأمن الوطني" حصل عليها من شركات المحمول وأعطاها له لكي يحقق هدفاً معيناً؟ وماذا عن دستورية إذاعة التسربيات؟ وما هي النتائج المترتبة علي إذاعة تسربيات خاصة دون إذن اصحابها؟ هل هذا سيؤثر إيجاباً او سلباً على المجتمع؟

أغلب هذه الاسئلة معلومة مسبقاً لدي الكل ولكن التصريح بها يكون علي استحياء، والإجابة ستكون علي حسب انتمائك للثورة أو رفضها، نعم نعلم جميعاً أن الأمن الوطني يشرف علي هذا البرنامج، إجابة بديهية لا تحتاج إلي تفكير لأن المذيع عبدالرحيم علي ليست له قدرات خاصة في عمل شركات التجسس العالمية،كل خبرته هي "ذيع يا عبد الرحيم، عبد الرحيم يذيع".

وهنا تأتي الخطورة في الوقت اللاحق، وهي تحويل ما هو خاص إلى ملكية عامة يستبيح بها الفرد التجسس علي تليفون صديقه، قراءة رسائله الخاصة، البحث في محفظته عن أي شيء، هكذا يتسرب له أنه ليست هناك خصوصية وذلك في ظل حالة التخوين العامة المنتشرة في المجتمع، وهذا سيجعل الفرد يستبيح جسد الآخر طالما استباح خصوصيته، فيكون هذا مبرراً للتحرش ومن ثم الاغتصاب والقتل وسرقة الأفكار وبراءات الاختراع، ويتحول كل ما هو ملكية خاصة إلى ملكية عامة، لأن النظام بشر بالفكرة وآمن بها، وهذا التبشير سيجد المؤمنين به فوراً، ومثل هذه الأفكار هي التي جعلت من قضية "مدرب الكاراتيه" قضية محورية في الآونة الأخيرة لأنها تشبع فضول البعض، والبعض الآخر استخدمها سياسياً، مما تسبب في انهيار أسر بأكملها فور تسريب فيديوهات لمدرب كارتيه بمحافظة المحلة الكبرى وهو يمارس الجنس مع أولياء امور المتدربين الأطفال، كان يقوم بتصوير اللقاءات كاملة ويضعها علي جهاز اللاب توب، حدث به مشكلة فذهب به إلى مهندس صيانة الذي وجد الفيديوهات فنشرها علي اليوتيوب، وكان من بين هذه الفيديوهات ممارسات مع زوجات قضاة وضباط داخلية وهذا ما استخدمه جماعة الإخوان الإرهابية لصالحها سياسياً، واستحلّت الفضائح ونشرتها وصنعت لها فتوي دينية تلبي رغباتها في كره النظام الذي أسمته "النظام الانقلابي"، ونست فوراً أنها تدعي أنها جماعة دينية تحافظ علي أسرار البشر وهذا الدين يدعوهم إلى عدم نشر الفضائح.

إذا كانت الدولة تفكر في الحفاظ علي أمنها الوطني من الخونة ودرء خطر العمليات الإرهابية والتخريب عن طريق التجسس علي المكالمات والرسائل التي تبدو أهمية في كونها أدلة علي المرتكبين أمام القضاء والنيابة، وهذا غير دستوري، فلماذا تنشرها طالما وجدت خطراً، ولم لا تكون داخل قاعات المحاكم حتي تثبت إدانة المجرمين فتحكم عليهم، وهنا نحن أمام معضلة كبيرة، كيف نفرق بين الحفاظ على حرية الفرد واحترام خصوصيته وبين الحفاظ علي الأمن القومي؟

وطبقاً للقرار الصادر عن المحكمة الأوربية لحماية حقوق الانسان فالتجسس اعتداء علي خصوصية المواطن ومخالف لحقوق الانسان إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون، حتى تستقيم العلاقة بين أمن الفرد وخصوصيته والأمن الوطني المنوط به رجال الدولة.

اليوم تستبيح لنفسك التجسس علي غيرك لكونه يختلف معك، في الغد يستبيح جسدك لكونك تختلف معه .