السبت 19 أبريل 2014 / 15:49

لو كنت - معاذ الله - عبد الله العذبة



لو كنت – معاذ الله - عبدالله العذبة لطرت فرحاً وسروراً بالتوصل، أخيراً، إلى تهدئة الأجواء بين قطر وجيرانها في دول الخليج.

ولكانت تغريداتي على تويتر تسابق بعضها البعض، في محاولة لتقديم تفسير منطقي أو على الأقلّ إيهام "قرائي (إن وجدوا) ومتابعيّ (إن صحت أرقامهم) بأنني إنما كنت أحلم منذ البداية بالتوصل إلى هذا الاتفاق الذي سيطوي صفحة مؤلمة في تاريخ الخليج العربي وسيفتح الباب واسعاً على الالتفات إلى القضايا المشتركة بين دول المنطقة وشعوبها.

لكنت أدركت أن جميع رهاناتي السابقة فشلت، وأنه ربما تكفيني "المكاسب" التي حققتها حتى الآن بوصفي بوقاً وشتاماً كبيراً، ولعدت إلى شيء من رشدي، وتأملت بعمق ما فعلته خلال الفترة الماضية، وقدمت اعتذاراً كبيراً أولاً من القطريين، ثم الإماراتيين، وبعدهم الخليجيين والعرب، عن البذاءات التي تفوهت بها طوال تلك الفترة، ليس منذ بداية الأزمة القطرية فحسب، بل قبل تلك الأزمة وبعدها.

لكنت، على الأقل، وبما أنني (بصفتي العذبة طبعاً) من أشدّ المعجبين بحرية التعبير، ومن أجرأ المنتقدين لكلّ ما يخالف تلك الحرية، صارحت الجميع بحقيقة الأمر: أي أنني منزعج أشدّ الانزعاج، بل مبتلى، بل مكتئب، بما تحقق الخميس في الرياض.

لكنت، وبدلاً من أن أتلاعب بهذه الطريقة الصبيانية على الوقائع المعروفة للجميع، محاولاً تصوير ما جرى بأنه مصالحة "قطرية سعودية"، حاولت ولو قليلاً، ولو كان ذلك شاقاً عليّ لأنه يخالف طبيعتي وفطرتي، أن أتخفف من حبي الشديد لإيقاع الفتنة بين الأشقاء والجيران، ولقلت صراحة: أنا غير موافق على التسوية القطرية الخليجية. وأنا مستاء أشدّ الاستياء من قيادة بلدي التي قررت أخيراً الالتزام بموجبات المصالحة مع باقي الدول.

ولكنت – بما أنني سوبرمان الصحافة العربية الصفراء – تجرأت أكثر من ذلك، ولصرخت بها صادحة عالية: أنا إخوانيّ حتى العظام! لا تهمني قطر، ولا الإمارات، ولا البحرين ولا السعودية، ولا الخليج برمته. كل ما يهمني ويعنيني هو جماعتي وأهلي وعشيرتي وتنظيمي الدولي. ورأي القرضاوي، بالنسبة إليّ أهم بكثير من قرارات قيادة "بلدي". وأصلاً، من قال إنني أعترف بوجود شيء اسمه بلد أو وطن أو دولة. فحدود بلدي الحقيقي هي تلك التي يرسمها القرضاوي، ومعيار "وطنيتي" الفعلي هو ذلك الذي يحدده التنظيم الدولي.

لو كنت عبدالله العذبة لكنت احتفظت بما تبقى من مصداقيتي وكرامتي، واخترت الصمت على الأقلّ، محاولاً امتصاص الصدمة، وإيجاد مهنة أخرى أمارسها في حياتي، أو ربما كنت سارعت إلى تقديم أوراقي إلى إحدى سفارات البلدان التي تستعد لاستقبال فلول الإخوان في الدوحة، بل ربما يمكنني الطلب من كساب العتيبي، المواطن البريطاني الفخور، والإخواني "الجسور" الذي لطالما خضت وإياه المعارك الطاحنة، أن يتدبّر لي "مرقد عنزة" في لندن، ولكنت أسميت نفسي أيضاً "منفياً" أو "مواطناً قطرياً سابقاً"، ولربما أبادر إلى فتح دكان جديد لـ "حقوق الإنسان" يعوضني المكاسب التي خسرتها بسبب المصالحة الخليجية، مشتغلاً من وراء الستار على فتن جديدة، ومؤامرات متجددة، أحاول التسلل منها كعادتي، علني أجد لنفسي دوراً ومكاناً بعد أن احترقت جميع أوراقي وسفني.