السبت 19 أبريل 2014 / 20:11

القابضون على الجمر في تونس






يجد "الإخوان" اليوم أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه وحتى قبل التوصل إلى ما أصبح يعرف بـ"مصالحة الرياض" بين دول الخليج بعد الاتفاق على آلية لتنفيذ الاتفاق الذي يحمل نفس الاسم بين السعودية وقطر، وفي الوقت نفسه تتواتر الأخبار السيئة من أكثر من عاصمة عن تحقيقات محتملة وتضييقات جديدة قادمة ضد الإخوان لأكثر من سبب، ما يجعل الإخوان وهم يرون الماء يتسلل من الثقوب الكثيرة التي طالت سفينتهم يخشون الغرق السريع بعد أن حانت ساعة الفرز ودق وقت الحسم إما مع أو ضدّ الإخوان، فلا مكان لخيار ثالث أو وسط.

ومن بين العواصم الكثيرة المعنية بملف الإخوان بسبب ارتباط جزء كبير من صناع القرار فيها بالحركات الإخوانية والتنظيم الدولي تجد تونس اليوم نفسها في موقف شديد التعقيد يجعل إسلامييها مثل القابضين على الجمر وهم يتوجسون مما ستحمله لهم الأيام القادمة.

والواقع أن إخوان تونس ممثلين في النهضة وأخواتها التي تناسلت بكثافة في الفترة الأخيرة نموذج جيد للإرباك الذي تسبب فيه الموقف الخليجي من مسألة الإخوان في انتظار تحويل النوايا والمواقف التي جرى الاتفاق عليها في الرياض إلى قرارات وآليات قابلة للتنفيذ وقادرة على إزالة أسباب الخلاف بين العواصم الخليجية المعنية به.

ويلاحظ في هذا السياق، أن تونس سارعت رسمياً بالتلميح عند زيارة رئيس حكومتها المهدي جمعة إلى السعودية في إطار جولته الخليجية منذ أيام إلى أنها مستعدة للنظر في "إدراج الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية" ولكن الغريب أن رجل تونس القوي والممسك بأكثر خيوط اللعبة فيها راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، نأى بنفسه عن هذا الملف تماماً ليصرّ على أن حركته"وطنية تونسية ذات مرجعية إسلامية" ولاعلاقة لها بالإخوان.

وفي الوقت الذي ينشط فيه الغنوشي في التنظيم الدولي نائباً لزعيم التنظيم يوسف القرضاوي وفي الوقت الذي تؤكد فيه كلّ المؤشرات على أن الغنوشي سيخلف القرضاوي في رئاسة التنظيم وفي الوقت الذي كانت صورة الغنوشي نفسه تزين جدران مكتب الإرشاد المصري في المقطم باعتباره من الشخصيات المركزية في التنظيم الدولي، يصرّ الغنوشي على أنه غير معني بالإخوان ولا يُعارض رئيس الحكومة الذي لا يرى حرجا في إدراج الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية.

واللاّفت أيضاً صمت قيادات الفرع الإخواني التونسي كلها عن التعليق على المواضيع المتعلقة بالحركة والتنظيم وبرئيسه القرضاوي وباستثناء التعاطف والتضامن مع رموز الإخوان، يلاحظ المتابع شللاً غريباً وجديداً للآلة الإعلامية الرسمية للحزب "المُهيمن" في تونس عن التعاطي مع الملف الإخواني في مصر منذ فترة وخاصة في ما يتعلق بالقرضاوي مسألة خروجه من الدوحة في اتجاه تونس، المربع الوحيد القابل لاحتضانه "نظرياً".

وعليه فإن السؤال الذي يبقى قائماً حتى تبين الخط الأبيض من الأسود ما الذي يُبرّر صمت النهضة عن استضافة القرضاوي وتفادي التورط في الدعم الرسمي للإخوان، ذلك أن الحديث عن منح القيادات الإخوانية لم يصدر عن حركة النهضة بل عن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي وحزبه المؤتمر شريك النهضة في السلطة الذي يتحدث عن إمكانية منح القيادات الإخوانية الهاربة من مصر اللجوء في تونس.

فكيف يمكن التعامل مع هذا الوضع الشاذ الذي تقفه النهضة اليوم من مسألة اللجوء من عدمه؟ هل هي براغماتية جديدة على أمل أن تقايض بموقفها "المحايد"من الإخوان دعماً اقتصادياً ومالياً خليجياً في مقابل رفع الغطاء عن الشخصيات الإخوانية المطلوبة في مصر والإمارات والسعودية والبحرين؟ أم تراها مرحلة استراتيجية جديدة أو توجه يقضي باللعب على الحبال وتوجيه الإخوان الراغبين في اللجوء إلى عواصم"شقيقة" أخرى مثل أنقرة، أو صديقة في العالم وهي كثيرة في مقابل الحصول على دعم خليجي سخيّ لتونس التي تخلت النهضة رسمياً عن قيادتها، بما يسمح للحركة بالاستمرار في الحصول على دعم مالي كبير وهي المقبلة على انتخابات صعبة وغير مضمونة مثلما كان الحال في الانتخابات السابقة التي جاءت بها إلى الحكم في ظلّ فشلها الذريع وتورطها في تقديم مصلحة الإخوان على مصالح الأوطان، مثل كلّ التوائم الذين وصلوا إلى السلطة أو شارفوا علي ذلك، ما يعني أنها مطالبة بجهد أكبر مالياً ودعائياُ لمواصلة الحضور في المشهد السياسي الذي ستفرزه الانتخابات القادمة.

هل قلب الإخوان ظهر المجن لبعضهم البعض؟ وهل تفكر النهضة في تقديم القرضاوي قرباناً على مذبح الدعم الخارجي الخليجي والغربي الذي أبطأ من وتيرته بشكل كبير على امتداد السنوات الثلاث الماضية بسبب خيارات النهضة الحاكمة؟ أم هي خطوة تكتيكية تهدف إلى إغراق السمكة كما يقول اللسان الفرنسي، سعياً للحصول على عذرية جديدة تجعل من النهضة طبيعياً قادراً على التخلص من عباءة الإخوان والتنظيم وتقديم العمل المدني على العمل السري.

إذا كانت النهضة تفكر في هذا السيناريو فإنها ستكون مثل الذي يقطع الغصن الذي تجلس عليه، فلا التنظيم سيقبل بهذه الطعنة النجلاء، ولا مصادر التمويل المالي والدعم ستقبل بمثل هذه المقايضة الرخيصة.

وفي مطلق الأحوال عودتنا النهضة وحركات الإخوان عموماً بميزة جينية الانحناء للعاصفة قبل نفض الريش ثانية كلما حانت الفرصة، ولكن الوضع اليوم في 2014 ليس نفس الوضع الذي كانت عليه الحركة والعالم العربي قبل 2011، صحيح أصبح في الأثناء للإخوان بعض الريش، ولكن بعض الدول أيضاً تسلّحت بالرغبة وخاصة القدرة على قصقصة أجنحتها حتى آخر ريشة فيها.