الأحد 20 أبريل 2014 / 17:02

ماذا قال ماركيز عن نفسه؟

"يكفيني أن يتذكر أحد عبارة لي لكي أنزل إلى قبري مستريحاً قرير العين"، هكذا تكلم غابو أو غبرييل جارسيا ماركيز، أديب نوبل الكولومبي عن نفسه. لم تغره القمة الرفيعة التي وصل إليها في عالم الأدب ليتجاوز باللغة الإسبانية حدود القارة إلى فضاء العالمية الرحب. وتكفي نظرة سريعة على شبكات التواصل الاجتماعي للتعرف على حجم قراء غابو من الاستشهادات والمقولات الشهيرة التي يتبادلونها من أعمال.

"راودني شعور بأني بدأت أصبح كاتباً حين أدركت أني لا أصلح لعمل أي شيء آخر"

يجب إلغاء حروف الكتابة، ذلك الرعب الذي يلازم الإنسان من المهد إلى اللحد كما يجب اختصار قواعد اللغة قبل أن تختصر هي حياتنا

حكاياتي لم تكن في مجملها سوى فصول ساذجة من وقائع الحياة اليومية.. كنت أجعلها أكثر تشويقا بإضافة توابل من خيال فنتازي

عن الموت نفسه قال غابو ذات مرة: "إن أسوأ شيء في الموت أنه أبدي، أما ما عدا ذلك فكل شيء مقدور عليه". وفي مناسبة أخرى قال: "بدأت أفكر في أمر الموت عند بلوغي سن الستين. ذات ليلة كنت أقرأ كتاباً، وفجأة فكرت: يا إلهي، سوف يقع لي، إنه أمر لا مفر منه. في الماضي لم يكن لديَّ وقت للتفكير في هذا، يبدو أنه ليس هناك مفر".

أن تعيش لتحكِ
عاش غابو ليحكِ وترك تفاصيل حياته بالكامل مكشوفة للجميع من خلال مذكراته التي تضمنها كتاب "أن تعيش لتحكِ" أو من خلال المقابلات التي لا حصر لها التي أجراها مع العديد من وسائل الإعلام. علاوة على سرد حيوات موازية من خلال مشوار عمله كصحتفي، حيث اعتاد أن يقول إن "المقال الصحفي هو رواية الواقعية". بالرغم من ذلك كان ماركيز من أشد الناقدين لعيوب العمل الصحافي ومنها "انحدرت جودة الخبر الصحافي بسبب عدة عوامل منها السرعة والمنافسة والمبالغة والتضخيم، والحرص على تحقيق السبق. الصحافي ينسى أن الخبر الأفضل ليس الأكثر استباقاً، بل الأجود إعداداً"، في تصريح له عام 1997.

الواقعية السحرية
ومن أقواله عن عالم الواقعية السحرية الذي كان أحد أسباب ظاهرة الطفرة التي شهدها أدب أمريكا اللاتينية، إن "التحدي الأكبر أمام الرواية هو أنك تخلقها سطراً سطراً، ومن هنا نكتشف أنه في أمريكا اللاتينية، الأدب والخيال والرواية، يمكن تصديقها بسهولة أكبر بكثير من الواقع". وكان يؤكد أيضاً أن "السحر يبدأ من الواقع. الشرط الأول في الواقعية السحرية، وكما يشير عنوان الظاهرة، هي أن تنبئ عن حدث شديد الواقعية، بصورة تجعله مغرقاً في الخيال".

أكتب لكي يحبني أصدقائي أكثر
وعن ولعه بالكتابة قال ماركيز في الستينيات في ندوة مع أديب نوبل البيرواني ماريو بارجاس يوسا إن "أكتب لكي يحبني أصدقائي أكثر". "يراودني شعور بأني بدأت أن أصبح كاتباً حين أدركت أني لا أصلح لعمل أي شيء آخر". كان ماركيز ويوسا التقيا في الستينيات في برشلونة وجمعت بينهما صداقة قوية، حتى بدأ الأديب البيرواني يشعر بالغيرة من صديقه الكولومبي، لدرجة أنه اتهمه بمغازلة زوجته واعتدى عليه بالضرب بلكمة قوية في عينه.

وفي مناسبة أخرى قال أيضاً عن الكتابة "بسبب خجلي صرت كاتباً، لكن موهبتي الحقيقية هي أن أكون مشعوذاً، ولكني أرتبك كثيراً عند محاولة القيام بأي خدعة، فاضطررت للهروب إلى صومعة الأدب لكي ألوذ بعزلتي. كلا المهنتين على أي حال تؤديان في النهاية إلى شيء واحد، أن يحبني أصدقائي أكثر".

العزلة
كان غابو يعتقد أنه  "سواء في السلطة أو في الحب، العنصر السحري الأساسي هو العزلة"، بل وأكثر من ذلك كان يرى: "لم أعرف أحداً لم يعش عزلة أو مر بتجربة عزلة ما في فترة من الفترات. هذا هو معنى العزلة الذي أقصده. أخشى أن يكون معنى ميتافيزيقياً، أو أن يبدو ردّ فعل لعكس حقيقة ما أنا عليه ولما أريد أن أكون عليه في الواقع. أعتقد أن الإنسان يعيش في عزلة تامة. إن العزلة جزء أساسي من الطبيعة البشرية".

ذكريات الطفولة
في مذكراته كتب غابو عن طفولته "قالوا إني في طفولتي كنت شديد الشحوب، وانطوائياً، ولم أكن أتكلم إلا بعبارات تافهة وساذجة. إلا أن حكاياتي لم تكن في مجملها سوى فصول ساذجة من وقائع الحياة اليومية، كنت أجعلها أكثر تشويقاً بإضافة توابل من خيال فانتازي، لكي أجعل الكبار يكترثون لما أقوله". هكذا وصف ماركيز طفولته التي أمضاها حتى سن العاشرة في كنف جديه لأمه في بلدة اراكاتاكا الكاريبية، وحيث نشأت عوالمه الخيالية التي ترعرعت معه ولم تفارقه أبداً.

معركة ضد الكتابة
في مذكراته يقول غابو: "عانيت كثيراً لتعلم القراءة، لم يبدو لي منطقياً أن حرف (الميم) ينطق (م)، وأن يكون نطق حرف الألف المد الملحق به، ليس (ميماً) بل (ما) مباشرة. كان من المستحيل بالنسبة لي أن اقرأ بهذه الطريقة، ولكن حين دخلت المدرسة لم تعلمني المعلمة أسماء الحروف، بل نطق أصواتها، وهكذا استطعت أخيراً قراءة أول كتاب في حياتي". ولكن وبرغم كونه حائزاً على جائزة نوبل في الآداب، إلا أن خطابه في افتتاح المؤتمر الدولي للغة الإسبانية في المكسيك عام 1997 صدم الحضور بشكل كبير حيث قال بجدية شديدة "يجب إلغاء حروف الكتابة، ذلك الرعب الذي يلازم الإنسان من المهد إلى اللحد كما يجب اختصار قواعد اللغة قبل أن تختصر هي حياتنا".

علاقته بأعماله
لطالما أكد ماركيز أنه لم يقرأ عملاً له بعد الانتهاء من صياغته النهائية. "بعد الانتهاء من الصيغة النهائية للعمل، أفقد اهتمامي به، بل وأعتبر الكتاب كأسد ميت". لذلك في كل مناسبة كانوا يسألونه فيها عن عمله المفضل كان يرد بإجابة مختلفة مرة "الحب في زمن الكوليرا"، ومرة "خريف البطريرك" ومرة "نبأ اختطاف"، ولكنه كان يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان يفضل تأليف الموسيقى على الأدب.