الأحد 20 أبريل 2014 / 20:32

ماركيز.. أيقونة الأدب والتحرر

بهاء عبد المجيد

عانى كثيراً أثناء كتابة "مائة عام من العزلة" فقد كان فقيرا ومعدما واضطر أن يبيع سيارته ليتفرغ للكتابة

يمثل هذا الأديب العالمي جبرييل جارسيا ماركيز، المعروف بجابو، مرحلة هامة في تاريخ الأدب وهي مرحلة الواقعية السحرية التي هي في مضمونها تضحيم للواقع وصبغته برواية أسطورية وليس كما هو موجود في الواقع فالأشخاص العاديون يتم تمثيلهم كأنهم أبطال ملاحم ويتم ذلك عن طريق استخدم اللغة المجازية واستعارات بلاغية من فن الشعر.

كتب ماركيز عن قريته وعن عالم الصحافة وعن أجداده وكانت رائعته "مائة عام من العزلة العزلة" والتي حصل بسببها علي جائزة نوبل هي تصوير لقريته التي عاش فيها طفولته وهي اركتكا و لكنه سماها في روايته ماكندو وهي كما يقول ماركيز "ليست مكاناً جغرافياً فقط ولكنه عالم ذهني يتخيله القارئ كما يحب"، والعزلة في هذه الرواية هي عزلة أمريكا اللاتينية وكل الدول المهمشة و التي تصارع من أجل البقاء . في "مائة عام من العزلة" ينتهي العالم كما ابتدى في حالة عدم وتُدمر القرية بإعصار شرير. لم تكن هناك سفينة نوح لتنقذ هذه القرية من الفناء وكأن الحضارة التي سعي إليها الأجداد مآواها الفناء. الحكايات في هذه الرواية دائرية وليست خطية حيث تدور الأحداث بنفس التسلسل حتى أبناء الذرية لديهم نفس الاسم.

عانى كثيرا في أثناء كتابة هذه الرواية فقد كان فقيرا ومعدما واضطر أن يبيع سيارته ليتفرغ للكتابة واستدانت زوجته ولكن عندما نشرت رواية "مائة عام من العزلة" عام 67 حققت نجاحاً تجارياً غير مسبوق وحصل على أموال طائلة كما حصل عنها على جائزة نوبل في الآداب عام 1982.

واستمر في كتابته وعمل بالصحافة والتي أتاحت له زيارة أماكن متعددة كانت فراغاً روائياً لكتابته وقد كتب أيضا رواية "الحب في زمن الكوليرا" 1985 وهي عن علاقة العشق بين جدته وجده ولكن صبغها بحالة من الرومانسية وقد تذكر قصة جدته عندما قُتل عاشقان في سفينة بمجداف. كانا عاشقين سريين كبيرين في السن و يتواعدان كل عام في هذا القارب فلما توفيا افتضح أمرهما.

ظل يكتب حتي نشر روايته الشهيرة "خريف البطريرك" 1975 وفيها يتحدث عن ديكتاتور في أمريكا اللاتنية وكانت هذه أول مرة يسقط الشعب رئيسا وهو الرئيس الفنزويلي ماركوس بيريز جمينيز وكانت هذه الرواية تتهكم من سلطة القوى المطلقة والأحادية للحاكم التي يظلم بها شعبه ودولته وقد كانت هذه الرواية سبق أدبي علي مر العصور، لأنها كانت تناقش مفهوم السلطة والحكم في دول العالم الثالث وقد ترجمت إلى لغات مختلفة وحققت شهرة عالمية وخاصة في عالمنا العربى.

وقد توالت أعمال ماركيز مثل "خبر اختطاف" و"يوميات موت معلن" وقد مزج ماركيز ما بين كتابة الرواية والكتابة الصحفية والوثائقية.

وقد اشتهرت قصصه القصيرة مثل "أجمل غريق في العالم"، و"لا أحد يكاتب الكولونيل" و"أندرينا المسكينة وجدتها الشريرة"، و قد تمت ترجمت هذه الأعمال إلى العربية بواسطة المترجم الكبير صالح علماني، ثم صدر مؤخراً لماركيز روايته القصيرة "ذكريات عاهراتي الحزينات" 2004 و التي يتناص فيها مع كواباتا في روايته "الجميلات النائمات"، وقد كان لماركيز اتجاهات سياسية يمزجها بحس الفكاهة والسخرية في كتاباته والتهكم من الأحوال السياسية وقد ربطته علاقة وطيدة بفيدل كاسترو ودعمه في رحلته نحو الدفاع عن حقوق الشعوب والتحرر من الاستعمار، خصوصاً عالم الدول الثالث، وقد كان لماركيز جلسات خاصة مع كاسترو كانت تدور حول الأدب و القراءة. أخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا متحفظا من ماركيز ومنعه من السفر إليها حتى جاء بيل كلينتون ورفع حظر السفر إليه وأوصى بقراءة "مائة عام من العزلة" مع الكتب الدينية الأخرى لأنها تعتبر سفراً من الأسفار التي تعظ الناس نحو الفضيلة في حين أن ماركيز كان يرى هذه الرواية حالة خاصة وشخصية به وبأصحابه ورموزها لها تأويل ذاتي.

سيظل جبرييل جارسيا ماركيز أيقونة الأدب وشعلته التي لن تنطفئ لتضيء للشعوب ولنا طريقا نحو الجمال والسحر والتغيير .