السبت 26 يوليو 2014 / 16:38

من يشتري لؤلؤ فلسطين؟



المشاهد المأسوية في غزة اليوم ليست جديدة في تاريخ النكبة الفلسطينية التي بدأت منذ العام 1948، بيد أن اللافت هو تراجع التفاعل (ولا نقول التعاطف) مع قضية مشروعة خاصة من العرب، ناهيك عن الخلاف الحاد حول مشروعية المقاومة.

وفي السياق نفسه، فإن مساحة الإدانة للعدو الإسرائيلي تزيد يوماً بعد يوم في الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتواجد اللوبي الصهيوني المدعوم والفاعل.

مهما يكن فإن مساحة التأييد للحق الفلسطيني من عدمها على المستويين العربي والعالمي تحتاج إلى قياس الرأي العالم، وهو ما نعجز اليوم عن تحقيقه.

وعملياًّ، فإن تراجع التفاعل مع القضية الفلسطينية، لا يوازي في أهميته سوى تلك المحاولة المقصودة والفعل الإسرائيلي الإجرامي الذي يركز بالأساس على مصادرة المستقبل الفلسطيني.

هذا العامل الثاني الذي يكشف عن جديد النكبة الفلسطينية ويعيدنا 58 عاماً إلى الوراء، هو الإبادة التي نشهدها اليوم، فمنذ الهجوم والحرب المدمرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وإسرائيل تستهدف قتل الأطفال، حتى بلغ عدد الشهداء من الأطفال نحو ثلث ضحايا الحرب حتى الآن، بحسب تقارير محلية ودولية، وهو رقم مروّع بكل المقاييس، ويدفعنا إلى التساؤل حقاً: من تقاتل إسرائيل في غزة؟ 

إسرائيل في عدوانها تمارس ضغطاً معنوياً على الشعب الفلسطيني بقتل فلذات أكباده من جهة، وتحرمه من أجيال شاهدة على المأساة ـ ستسعى لو بقيت على الحياة لاسترجاع أرضها المغتصبة ــ وكأنها بذلك تعيد صناعة تاريخها الدموي حين هجَّرت الشعب الفلسطيني من أرضه بقوة السلاح وبدعم دولي من القوى الكبرى في ذلك الوقت.

نعرف أن الأطفال النساء والشيوخ هم ضحايا الحروب في كل مراحل التاريخ البشري الطويل، ما نعرف منه وما نجهل، ونراهم أيضاً في الحروب المعاصرة التي لم تضع أوزارها بعد، بما فيها الفتن والحروب الأهلية.

ونعرف من التجارب المحفوظة في الذاكرة الجماعية للأمم والشعوب، أن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وسيلة ضغط التي يمارسها أحد الأطراف على الآخر من أجل الانتصار، أو الركون إلى السلم، أو المفاوضات، ولا شك أن النسبة تختلف من بلد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، بل ومن حرب إلى أخرى.

غير أن تلك الحروب جميعها لم تكن تستهدف الأطفال، كما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في غزة، فالأعداد التي تم استهدافها من الأطفال تكشف على أن عمليات القتل بالطريقة التي شاهدها العالم كله هي عمليات ممنهجة، وليست "أخطاء" جانبية، ومهما تكن المبررات الإسرائيلية فإنها غير مقبولة.

هكذا إذاً يولد أطفال فلسطين كباراً، ويقطفون من عمر البشرية وحركة الزمان كباراً، حتى إنهم حرموا من أحضان الآباء والأمهات رغم ضيقها، ومن مناطق الأمان رغم قلتها، ومن شاطئ البحر رغم اتساعه.

من بقي من أطفال فلسطين لا يحق له في نظر إسرائيل اللهو واللعب لأنه ليس من أطفال العالم الحر، بل إنه يحرم من تذكر إخوانه وأصدقائه الذين ذهبوا، تماماً كما يحرم كل الشعب الفلسطيني من حق العودة إلى أرضه.. أليس شيبة اليوم ورجاله أطفال العقود الماضية، ومن يقتلون اليوم هم ـ لو بقوا على قيد الحياة رجال الغد؟

لأطفال فلسطين كل الحق في الحياة، لنبدأ بإدراك هذا الأمر من اللحظة الراهنة، وإن اعتبرناهم أحياء عند ربهم.. فإننا نريدهم لؤلؤا منثوراً، لكن بالاختيار وليس بالإجبار والبطش والإجرام.

أطفال فلسطين كقضيتهم بشكل ما، بيعوا للقاصي والداني، وأصر الجميع على المتاجرة بهم، فيا ترى من يشتري لؤلؤ فلسطين اليوم؟