الجمعة 25 يوليو 2014 / 00:49

غزة.. يد واحدة تصفق وتقاتل




أتناول منذ شهر دواء قويا لتمييع الدم، وتجنيبي خطر الموت أو الشلل بجلطة دماغية ناتجة عن تضيق الشرايين، وذلك بالطبع، تشخيص الأطباء الذين قرروا الزامي بتناول هذا "المميع" مدى الحياة.

بصراحة، لا أعتقد أن هذا الدواء مفيد، لأنني لم أشعر إطلاقاً بالميوعة سواء في حركتي أو في مزاجي أو في موقفي السياسي، ويبدو أن هناك أدوية أقوى وأكثر فاعلية يتناولها النظام الرسمي العربي، ليحافظ على مستوى الميوعة في مواقفه السياسية.

لا بأس، سأسأل عن الدواء في الجامعة العربية، وربما أحصل عليه مجاناً من "بيت العرب".

لا أقصد السخرية من أحد، لكنني وأنا استسلم لنوبات القهر وارتفاع ضغط الدم جراء جريمة إبادة غزة، أحسد القادة العرب على صمتهم العبقري، وأحسد الجامعة العربية على احتفاظها بمنسوب الميوعة السياسية في قراراتها "الحكيمة".

أعترف أيضا بأنني أحسد الكتاب العباقرة المشغولين بداعش وجيش النصرة والجيش الحر والتشكيلات السلفية التي "تجاهد" في كل جهات الأرض الا فلسطين "لأن الله لم يأمرنا بعد بقتال اليهود"!

يعجبني أيضاً ما يهذر به المحللون واعضاء كتائب ضيوف القنوات الفضائية الذين يعلقون على حرب غزة، خاصة عندما يؤكدون أن "يداً واحدة لا تصفق"، وأعتقد أن الاستماع اليهم يستوجب الجلوس أمام التلفزيون مع كيلو من المكسرات ولوازم التسلية.

لم يحدث من قبل، في كل الحروب والاجتياحات والارهاب الذي استهدف الفلسطينيين أن كان الموقف العربي على هذه الدرجة من الميوعة، ولم يحدث أبداً أن شلت كل أيدي الأنظمة لكي لا تصفق. ولم يحدث أبداً أن يترافق الشلل مع الميوعة إلا في حال النظام العربي المعاصر بشقيه الخريفي والربيعي.

غزة تصفق وحدها وتقاوم وحدها وتصمد وحدها، وتكسر وحدها أساطير الغزاة وتبدد هذر الخطاب السياسي العربي الذي لم يعد يخجل من شيء.

وعندما ينجلي غبار المعركة سيستأنف "الأشقاء" نشاطهم في نصحنا بالتضحية، وسيعاتبنا بعضهم على عدم الرد على اسرائيل بقوة أكبر، وسيستكثر علينا جلهم وجود الخبز في غزة.. ثم يصدرون قراراً يؤكد وقوف الأمة الى جانب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ولن يقول لنا أحد كيف ستقوم الدولة ومتى؟ وهل ستكون حدودها مفتوحة أم محاصرة، وهل ستكون دولة خريفية كما تريد سلطة رام الله أم دولة ربيعية كما يريد الإخوان المسلمون.

هو هراء مطلق. ونتوقع المزيد من هراء الرسمية العربية. لكن غزة الآن، وربما غداً بيت لحم ونابلس والخليل تعيد صياغة المشهد بلا عتب ولا ملامة على أحد، وبلا تشويش تحمله بيانات ذوى القربى، وبلا رهان على أحد..