الثلاثاء 29 يوليو 2014 / 23:18

أوباما: حبيس الشرنقة الإسرائيلية



كلما أدرك اليمين الإسرائيلي المتشدد أنّ العمليات العسكرية (والتوصيف الثاني اللائق بها هو: إراقة دماء المئات من الفلسطينيين، أطفالاً وشيوخاً، نساءً ورجالاً...)، تنقلب إلى الضدّ، وبالاً على إسرائيل، توجهوا، فوراً، إلى إمطار اللعنات على الخصم الثاني، بعد الأوّل الفلسطيني: الإدارة الأمريكية، وساكن البيت الأبيض شخصياً!

هنا نماذج من أحدث اللعنات عهداً: "نحتاج إلى وقف إطلاق النيران الآتية من أوباما والإدارة في واشنطن. وكما أنّ الولايات المتحدة تقاتل الطالبان بلا هوادة، كذلك ينبغي على إسرائيل أن تواصل ضرب حماس حتى تدميرها"، يقول داني دانون، عضو الكنيست عن حزب "ليكود".

العملية العسكرية الإسرائيلية الراهنة "لم تكشف أنفاق غزّة فقط، بل كشفت أيضاً الوجه الحقيقي لأولئك الذين يُفترض أنهم أصدقاؤنا. حين يقف الرئيس أوباما ووزير خارجيته كيري في صفّ محور الشرّ الإسلامي، فإنهما يفقدان تماماً صفة الحكّام المحايدين في الصراع"؛ تقول أوريت ستروك، من حزب "البيت اليهودي".

يتناسى هؤلاء، إذْ لا يعقل أنهم ينسون، أنّ الشعر، كما يقول المثل، نبت على لسان أوباما وهو يعيد ويكرر التزامه المطلق بأمن "إسرائيل، الدولة اليهودية"؛ وأنه عقد ما يشبه العهد الشخصي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً، يعود إلى العام 2008، حين كان الأوّل محض مرشّح للرئاسة يزور إسرائيل، وكان الثاني زعيم حزب "ليكود" الطامح إلى هزيمة "كاديما". انتحى أوباما ونتنياهو بعيداً عن الحشد، فقال الأوّل للثاني: "أنت وأنا نشترك في الكثير. لقد بدأتُ على اليسار وانتقلتُ إلى الوسط. وأنت بدأتَ على اليمين وانتقلتَ إلى الوسط. كلانا براغماتي يرغب في إنجاز الأمور".

أكثر من هذا، بدا أنّ أوباما يسابق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، قدوته العليا في السياسة الأمريكية الشرق ـ أوسطية، حين أعرب عن "انتسابه إلى التفاهم الرئاسي العميق في هذا الميدان"، أي "قدرة الردع الإسرائيلية"، التي يتفق الطرفان على أنّ ترجمتها اللغوية الأخرى الوحيدة هي امتلاك السلاح النووي. وأمّا اعتراض إدارة أوباما على الاستيطان الإسرائيلي، أو طرح مشروع أمريكي لوقف إطلاق النار في غزّة، أو الحديث عن "دولة فلسطينية جارة لإسرائيل"... فإنه، في نهاية المطاف، ليس سوى إعادة إنتاج لمواقف مماثلة جاءت من جميع الإدارات السابقة، وإن اختلفت في اللفظ بهذا المقدار أو ذاك.

وضمن سياقات مماثلة، حول "تواني" البيت الأبيض عن نجدة إسرائيل بوصفها "جبهة الداخل" الأمريكية، في وسع المرء أن يذهب إلى ليكودي أمريكي هذه المرّة، هو دانييل بايبس، الذي لم يوفّر جهداً في تأثيم أوباما، وهو اليوم يرى العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية من زاوية خاصة تماماً: الصهيونية المسيحية! بايبس يعتبر أنّ هذا الطراز من الصهيونية هو "أفضل أسلحة إسرائيل"، بالنظر إلى أهمية مواقف اليمين الأمريكي المسيحي المتعاطف مع إسرائيل، وكيف يتبنى هذا الصفّ مواقف متشددة تبدو خيارات الساسة الإسرائيليين "حمائمية" تماماً إلى جانبها.

تفسيره البسيط، أو التبسيطي تماماً في الواقع، يقول إنّ هذا النسق السياسي ـ الفلسفي، الذي عبّر ويعبّر عنه أمثال غاري باور وجيري فالويل وريشارد لاند، يعود بجذوره إلى العصر الفكتوري في بريطانيا، وإلى العام 1840 حين أوصى وزير الخارجية اللورد بالمرستون بأن تبذل السلطات العثمانية كلّ جهد ممكن من أجل تشجيع وتسهيل عودة يهود أوروبا إلى فلسطين. كذلك كان اللورد شافتزبري هو الذي، في العام 1853، نحت العبارة الشهيرة في وصف فلسطين: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".

فإذا انتقل المرء إلى الجبهة الداخلية الفعلية، الإسرائيلية ـ الإسرائيلية هذه المرّة، فإنّ سلسلة التطوّرات التي أعقبت توقيع اتفاقيات أوسلو (اغتيال رابين، انتخاب نتنياهو في غمرة تحقير شمعون بيريس، انتخاب إيهود باراك وتحقير نتنياهو، انتخاب شارون وتحقير باراك، ثمّ انتخاب نتنياهو وتحقير "كاديما" وباراك معاً...)؛ لم تكن إلا سبيل الإسرائيليين في التأكيد على أنّ نسبة ساحقة منهم لم تخرج من الشرنقة العتيقة مرّة واحدة.

ولا يبدو أنّ تلك الشرنقة سوف تنفتح عن أيّ جديد بهذا الصدد، في أيّ يوم قريب.