الأربعاء 30 يوليو 2014 / 16:40

الحل السحري مفقود



بربطه بين وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وبين نزع سلاح حركة "حماس"، أدخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الصراع في القطاع مرحلة جديدة من التعقيد يرتكز إلى الانكماش الذي تعاني منه سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ أعوام.

وفي مكان آخر، أبدى كيري اعتقاده بإمكان التوصل إلى "صيغة سحرية" تضمن وقفاً لإطلاق النار في غزة رغم الإخفاقات السابقة التي تعرضت لها مهمته المقتصرة حتى الآن على حمل وجهة النظر الإسرائيلية ونقلها إلى الفلسطينيين.

يتعين القول إن الانتقادات التي تطال كيري والآتية من جانبي الصراع، يتناول البعض منها أداءه الذي رأى فيه قسم من المعلقين الإسرائيليين ما يصل إلى حدود "الهواية" وانعدام القدرة على طرح أفكار جديدة وابتكار مخارج على نحو يليق بوزير خارجية القوة العظمى العالمية فيما يصل البعض الآخر إلى الاعتراض على مجمل السياسة الأمريكية في المنطقة. ثمة ملاحظتان جديرتان بالذكر هنا: الأولى أن الولايات المتحدة اتخذت قراراً واعياً بعدم التدخل في شؤون الشرق الاوسط، والعالم الاسلامي استطراداً، إلا بالحد الأدنى شديد القرب من مصالحها المباشرة، على خلفية الهزيمتين اللتين منيت بهما في العراق وأفغانستان.

كان للقرار هذا تداعيات ضخمة على المنطقة أفضت إلى الهيمنة الإيرانية على العراق وانقلاب الثورة السورية إلى حرب أهلية ومذبحة منظمة ينفذها النظام بحق مواطنيه. وأدى كذلك إلى خسارة الولايات المتحدة ليس بعض أقدم حلفائها في المنطقة فحسب – أو على الأقل شعورهم العميق بالامتعاض من السياسات الأمريكية – بل أيضاً قدرتها على ردع خصومها وإقناعهم بجديتها في الالتزام في أي موقف تتخذه. طبعاً كانت ذروة هذه السياسة المرتبكة التراجع عن قرار قصف قوات بشار الأسد بعد خرقه "الخط الأحمر" الذي رسمه الرئيس باراك أوباما باستخدام الجيش السوري الغازات الكيميائية ضد سكان الغوطة في أغسطس (آب) من العام الماضي. يمكن القول إن إدارة أوباما تحولت إلى خيبة أمل كبيرة عند البعض وإلى أضحوكة بالمعنى الدقيق للكلمة عند البعض الآخر من الأنظمة والقوى المؤثرة في الشرق الأوسط.

أسباب تبني هذه السياسة ترجع إلى الأمريكيين وتقييمهم لمصالحهم ودورهم بطبيعة الحال، وسيتحملون هم المسؤولية عن الارتدادات التي قد تصيبهم في المستقبل.

ويقود هذا إلى الملاحظة الثانية وقوامها أن الأمريكيين بتنازلهم عن دور الوسيط، منذ عهد بيل كلينتون في واقع الأمر، وانتقالهم إلى أداء دور الحامل لوجهة النظر الإسرائيلية يتركون المجال وقد غيروا تغييراً عميقاً جوهر العملية السياسية التي بدأت مع مؤتمر مدريد وحكموا عليها بالموت. التوازنات التي أنشأتها إدارة جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر والتعهدات التي قطعت حينها، تقلصت مع كلينتون ثم اضمحلت مع جورج بوش الابن الذي جعل القضية الفلسطينية جزءاً من حربه على الإرهاب، وبعد ذلك جاء أوباما الذي وجد من الخفة وانعدام المسؤولية في نفسه ما يكفي ليحاضر في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أثناء الإفطار السنوي الذي يقيمه البيت الابيض للمسلمين الأمريكيين في رمضان.

لا عجب، حينها، أن يبحث كيري عن "صيغة سحري" تأتي من حيث لا يدري ولا أن يربط وقف المذبحة الإسرائيلية في غزة بنزع سلاح "حماس"، بغض النظر عن كل الملابسات التي أحاطت باندلاع القتال وكل التحفظات على غياب الاستراتيجية الفلسطينية الموحدة.

وليس العجز الأمريكي عن فرض وقف لإطلاق النار هو ما يعمي الأبصار فقط، بل أيضاً الاعتقاد أن إسرائيل قادرة على الحصول على ذات النتائج التي حصلت عليها من اجتياح 1982 بطردها منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ونزع سلاحها من دون أن تقدم أي ثمن سياسي. المشكلة هنا، بالنسبة للإسرائيليين أن النسيج السياسي – الاجتماعي في غزة لن يتحمل نزع السلاح أو خروج المقاتلين. فعناصر "حماس" وقياداتها من صميم التكوين الاجتماعي والأهلي في غزة (ومرة ثانية بغض النظر عن حجم التأييد الذي يحظون به من أكثرية السكان) ولأن لا مقابل جدياً مطروح من الإسرائيليين والأمريكيين لهذه الخطوة التي ستترجم إلى هزيمة كاملة بالنسبة إلى "حماس". وفيما تكابر إسرائيل في امتناعها عن البحث في الثمن الذي يجب أن تدفعه سياسياً مستندة إلى سعار الرأي العام لديها وميله نحو التطرف الشديد رغم تصاعد الخسائر في صفوف جنودها، يبدو أن القتال سيستمر أياماً وأسابيع إلى أن تتغير المعادلة الميدانية أو ظهور بوادر التعب على أحد الجانبين.

ومن أسف أن غياب السياسات والاستراتيجيات يبدو سمة عامة تتشاركها أكثر الدول العربية تاركة لغيرها رسم مصائر المنطقة عبر حروب تمتد من غزة إلى الأنبار وحضرموت.