السبت 30 أغسطس 2014 / 13:23

هل تفتح بيتك لعابد الشيطان؟



في مأساة مذابح الطائفة الإيزيدية تفاصيل كثيرة عن التعصب وفقه القتل والتكفير، لكن النقطة الفارقة برأيي، في سرد سطور المذابح، كانت الاحتضان المجتمعي لجريمة الإبادة؛ سواء ما قاله الهاربون من الموت عن تورط عرب وعشائر في تسليم إيزيديين لداعش، ليواجهوا مصيرهم بالذبح أو السبي، أو ما تسرب عن نهم البعض للاستيلاء على ممتلكات الضحايا، بل وامتناع الباعة عن تسليم حصص التموين الحكومي لهم، لأنهم كفرة، ومن ثم تسقط أهليتهم في دولة الخلافة القادمة في العراق.

والاحتضان المجتمعي لفكر يبشر بحتمية التخلص من الأقليات، بات أقوى من نصوص تبارى الساسة العرب في تدوينها بين ضفاف الدساتير، فكما ضمن الدستور العراقي وجود أوقاف للصابئة والأيزيديين على نحو متساوٍ مع الديانات الأخرى، ضمنت الكراهية المجتمعية القتل للأقليات بحسب تعدادها وثقلها.

وفيما تراجع الدستور المصري خطوة بضمان حرية الديانات السماوية فقط، لم يضمن ذلك الأمان لأتباع مذهب من تلك الأديان السماوية، وهم الشيعة الذين لقوا حتفهم، سحلاً جراء تجرئهم على ممارسة شعائر مذهبية في وسط تحيطه السلفية، بقرية مصرية مع تكبير وتهليل للنصر المظفر.

وهو ذاته الاحتضان الذي مهد طريق الرضا لقتل 70 سنياً في مسجد بمنطقة ديالي بالعراق ردا على مذابح داعش.

ما يعزز التنكيل المجتمعي بالأقليات الدينية العربية على النحو الإيزيدي السابق، أسباب كثر؛ لعل من أخطرها، تمحور الفكر الإسلامجي عامة حول نظرية المؤامرة والنظرة للأقليات الدينية كجزء من مخططات لهدم دين الأغلبية، أو على الأقل، عليها أن تثبت العكس دائما ببراءتها من المؤامرة؛ طالبت مثلا مسودة حزب الإخوان في عهد مبارك عام 2007 الكنيسة المصرية أن "تعمل على التصدي لما "أسمته الغزو الفكري للمجتمع والتذويب القيمي"، وهي مسميات لا مكان الآن لها الآن في العالم المتحضر.

وتقع النظم المضادة للتنظيمات الأصولية في الجرم نفسه، ففي حربها للقضاء على التنظيمات التكفيرية، والإخوانية تتسامح الأنظمة مع شريحة سلفية عريضة مهادنة للسلطة، لكنها تعوم على بحر من الطائفية، يكتظ بقواعد للبراء والتعالي على من يسميهم الفكر السلفي الفئات الضالة، التي يجب أن تدفع الجزية، أو تخرج من حيز المواطنة، هذه الأفكار تغذي المجال العام برفض المختلف الديني.

مذابح الأيزيدين، نكأت جراح مأزق مجتمعي وثيق الصلة بجينات تكفير وإقصاء لا تقتصر على داعش، وإن قلت درجتها في مجتمعات عربية أخرى، لكنها تساهم في تقويض أسس الدولة الحديثة.

مذبحة الأيزيدين تزامنت مع أخرى في غزة، حينما قتلت حماس 18 متهماً بالعمالة رمياً بالرصاص، دون محاكمة علنية، لتظهر استهتاراً بما تعرفه المدنية الحديثة من قواعد للعدالة، فالفئة التي تقاوم الظلم، ترهبه بارتكاب ظلم شبيه، وهو جرم داعشي أيضاً، يعزز صورة الفوضى في أذهان المراقب.

"داعش" تقتل المخالفين لتفسيرها للدين، لكن حاضنتها الاجتماعية ترحب بالقتل، بل يمارس خصومها ومؤيدوها على السواء رفضاً شبيهاً للأغيار، وإن تأجل بموجبه القتل إلى حين.

داعش تذبح بلا محكمة مبنية على أسس للعدالة وحقوق الإنسان، لكن غيرها من ممثلي الإسلام الإخواني يقتلون أيضاً بلا محاكمة، ويحاصرون مقرات المحاكم لأنها تصدر أحكاماً ترفضها الجماعة.

وبين الاثنين مارس العوام قصاصهم بأيديهم سحلاً وقتلاً.

"داعش" ترفض من تعتبرهم كفاراً وتقتلهم، وتتعفف أنت وجارك من تقليدها، لكنك على الأغلب الكثيرون سيرفضون أيضا أن يسكن بنايتهم عابد للشيطان، أو هندوسياً، أو عابد للبقر، لأنهم بمنظور إيمانه مشركون، وهو كمؤمن سيفرض إيمانه على إيمانهم وهو نفس ما تفعله داعش علانية.