السبت 30 أغسطس 2014 / 21:34

حواريّات التعايش في الزمن المتداعش




المتنبي والزمان العربي

- ما حجمُ الهَوْل الذي استشعره أبو الطيب المتنبي حتى فزع، فصاغ، في سياق كافوريّاته، عبارة أرسلها في حسرة شهيرة عابرة للأزمان لتصير على كل لسان :
"ما كنتُ أحْسبٰني أحيا إلى زمنٍ ".
- لا تُكْمِلْ ..إنّ المرء يحارُ في توصيف هذا الزمن الذي فتح شدقَيْه، لا ليحكي، أو يفاوض، ولكن ليطحنَ العقلَ ويهزأ بالحوار، ويقول للإنسان العربي :
"عشتَ ورأيتَ فعمشتَ فدعشتَ"!

جمارك الزمان
- هل زحف الزمانُ بكلّ هذه الفوضى الماحقة التي نكاد لا ترى سرعة رياحها في عاصفة هذا الربيع المريع؟
- أم هل زحفنا على هذا الزمان بلا ترخيص، وحدث لنا ما يحدث للأشخاص الذين تعترض إدارة الحدود والجمارك على وجودهم في ..
- في أحد البلدان!
- لا، المسالة لا تتعلق بالمكان، ولكن بجمارك الزمان.
- أعرفُ غريبَ المكان، وجماركَ البلدان.
- والآن، تعرّفْ على غريب الزمان، أحْيانًا أُحسُّ بأنّي ضيفٌ ثقيلٌ، أو شخصٌ غير مرغوب فيه!
- يحتمل الأمر أن تكون مُتَّ، ولم تنتبهْ إلى أنّ قطار الزمان صفّر في محطتك المقرّرة، وكنت نائماً، فصرتَ بلا تأشيرة زمان،
- وتأسيساً عليه ...
- صرتَ لا تملك حقّا أو تأشيرة في الوجود؟
- ولكنْ، هل كنتُ نائماً في كهف؟ أم كانوا هم النائمين نومة أهل الكهف؟
- هل إنّ أحداً منّا بات يعترض على وجود الآخر، لا فوق الكرة الأرضية، ولكن فوق الكرة الدينية؟
- هل صار الإيمان كرةً لا تقذفها إلا داعش في قلوب الناس؟
- إذا حدث هذا، فمعناه أن أهل الكهف نهضوا حتى وجدتهم أمامك، وها هم يعتبرونك موجوداً أمامهم، وهاهم يعترضون على وجودك معهم؟
- إذن، هناك صراع على امتلاك الزمان؟
- في فلسطين يتصارع السكان الأصليون مع السكان الافتراضيين الصهاينة على المكان .
- ونحن هنا صرنا تتصارع على من يملك هذا الزمان،
- إذن، هلْ هذا زمانّ نهض فيه ناسّ كانوا ينامون نومةَ أهل الكهف أم هذا زماننا؟
- أم إنّك من أهل الكهف دون أن تدري بأنّك نمتَ وما دريتَ !
- وفي هذه الحالة،أين كلبُ أهل الكهف .
- وربما كان الكلب قطمير معنا، ومن فرط النوم نسي الكلامَ المباحَ، أي النباحَ، وقد كان يصغي إلى كلّ شيء، وبعينين حارستيْن بات عاجزاً حتى عن حماية نفسه من الذين هجموا عليه دفعة واحدة بالسلاح، وافتكّوا منه آلة النباح .
-هناك من يمشي أثناء النوم ..
- أمّا أهل الكهف، فيطلبون من الشعب أن ينام، وما عليه إلاّ السمع والطاعة كالأغنام..
- ولذلك هم يملكون السكاكين، وهم لا يقتلون البشر، بل يذبحونهم .
- وإذا لم يسمع الشعب أوامرهم ولم يطعْ ...
- يكون الزمام قد أفلت من قبضة الإمام .
- إذن، لابدّ من اليقظة، حتى لا يصير النيامُ هم الحكّام .

إسْراعِشْ
- اسرائيل تعيش في أمان واطمئنان في الزمن المتداعش، فلا حديث عن "اسرائيل"، ولا عن "قوم بني صهيون" ولا "دولة اليهود" موجودة على خريطة الطريق في برنامج داعش، ولا حديث عن "غزوة تل أبيب".

- ألِهذا الحدّ؟
- نعم، وإن لم تصدّقْ، فأنت مطالب بالجواب عن السؤال: لماذا لم تنبتْ داعش في أرض فلسطين المحتلة؟ وأنت مجْبر على تفسير اعتذار داعش عن محاربة إسرائيل، ومن واجبك المقارنة بين :

1-أسلوب عصابات الهمج الصهاينة التي دخلت أرض فلسطين، في عمليات تهجير للسكان الأصليين الفلسطينيين عن أراضيهم، الهجمات بدتْ مباغتة ومفاجئة، وبدأت عملية اغتصاب للأرض، وإحراق الزرع، وترويع السكان بالمجازر والانتهاكات باسم الحق اليهودي الذي زكاه "وعد بلفور" البريطاني، والبحث عن أسباب تراثية دينية مزعومة لبسط الحق اليهودي "المقدس" بالمسدّس على ما أسموه "أرض الميعاد".

2- وهذا أسلوب داعش التي انتصبت، باسم الشريعة وبسطت نفوذها، بشكل مباغت على جزء من أرض العراق وسوريا، ولجأ بعض السكان الذين رفضوا أن يتركوا دينهم، وهاجروا إلى أماكن غير أماكنهم، وصَهْينَتْ داعش على إيمان الناس، وطالبتهم باستبدال "كفرهم" بإيمانها، وكل ذلك باسم "إقامة دولة الخلافة الإسلامية".

- هذا على حساب، أضفْ إلى كلّ هذا أنّ إسرائيل تريد أن تتوسّع...

- وفي المنتظم الأمميّ، كل بلدان الدنيا معروفة الحدود والجيران، باستثناء إسرائيل! فهي بلاد معروفة بكونها غير معروفة الحدود، لأنها ذات نوايا توسعية.
- وداعش تملك نوايا توسعية، وتزعم أن طموحاتها لا تنتهي إلاّ بعدما زعموا من "غزوة البيت الأبيض"!
- وأمريكا صامتة؟

- ما دامت الإدارة الامريكية راضية على أداء إسرائيل، فهي، حتماً، ساكتة عن أداء داعش.

- وإذا شئتَ أن تواصل المقارنة، فعندك موضوع القائد الصهيوني "دافيد بن غوريون" الذي بشّر بإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، وهو منتخب انتخاباً حرًّا، ويحاسبه أعضاء الأحزاب المكونة لـ "الكنيست" الإسرائيلي حساباً ديمقراطيا عسيراً.

- ولكنّ الخليفة في "داعش" مبايع مبايعة، وهو الذي يحاسب الناس
- على ماذا؟
- على السمع والطاعة .