السبت 30 أغسطس 2014 / 23:30

مقاربات دونكيشوتية في منعطف داعشي




كمن يستحضر سيرة دونكيشوت في حربه على طواحين الهواء، يجد الإسلام السياسي في "شيطنة الغرب"، و"تعويم ظاهرة التطرف"، أقصر سبل الدفاع، عن مهادنة ممارسات داعش، في سوريا والعراق .

كتابات وتصريحات الإخوان المسلمين في الأردن، تعبر بوضوح أكبر عن هذه النزعة، التي لا تخلو من محاولة تبرير تصرفات التنظيم المتطرف، وإن جاءت في سياق نقد ممارسات من قبيل تهجير الأقليات، واستسهال قطع الرؤوس .

الإفراط في حمولة خطاب الإخوان المزدوجة، محكوم بدوافع، بعضها مرتبط بحسابات تكتيكية تجبر الجماعة على التنصل من ممارسات داعش وأخواتها، والبعض الآخر يحول دون تجذير الموقف إلى حد القطيعة .

فمن غير الممكن أن يغفل الإخوان عن توافقهم الفكري مع داعش على مرتكزات مثل العداء للآخر الذي ترتفع نسبته من حين لآخر، وتتباين بين حالة وأخرى، يظهر لدى داعش سافراً، في الوقت الذي تستطيع قوى ما يعرف بالإسلام المعتدل إخفاءه.

تديين السياسة، وتسييس الدين، إلى حد استيلاء أحدهما على الآخر، دون حساب الآثار التي تلحق بهما جراء إزالة الفواصل، قاسم مشترك آخر بين الإخوان وداعش .

بشكل تلقائي، يتفرع قاسم مشترك آخر عن هذا القاسم، وهو وصول الإسلاميين للحكم، والإصرار على البقاء فيه، مهما كانت الكلفة المترتبة على البلاد والعباد، سواء تم ذلك بالقوة، كما فعلت داعش، وهي تعلن دولة الخلافة على أجزاء من العراق وسوريا، أو بالطرق الديمقراطية، كما جرى في ما عرف ببلاد الربيع العربي .

حرص ما يعرف بقوى الإسلام المعتدل، الذي تعد جماعة الإخوان المسلمين أبرز تجلياته، وتعود إليها بدايات ظهوره في الحياة السياسية العربية، على التمسك بأطراف خيوط الوصل، مع إفرازات التطرف الديني، لا يغريها للاندفاع نحو التماهي معه، ولديها أسبابها في ذلك.
بعض هذه الأسباب يكمن في استحقاقات التماهي المتمثلة في تغيير أساليب العمل، والتخلي عن هوامش الحركة التي يتيحها إخفاء التشدد الكامن في أدبيات وتجربة هذه القوى .

ففي آليات الإخفاء المتبعة، تكمن شروط البقاء في المشهد السياسي، القائمة على المناورة السياسية في المنطقة، والإبقاء على ود العواصم الغربية المؤثرة في سياسات العواصم العربية والإسلامية .

كما يساعد إخفاء مظاهر العنف في الأدبيات والتجربة، على الاحتفاظ بقنوات اتصال مع المجتمعات المحلية الرافضة للعنف والتشدد .
لكن الاحتفاظ بطرفي معادلة التطرف والاعتدال، على أمل إمساك العصا من وسطها، لا يبدو يسيراً لحركة إسلامية في بلد كالأردن مع خروج الأردنيين إلى الشارع لإعلان موقف ضد داعش وممارساتها في بلدين مجاورين، وتحول دولة الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي إلى ظاهرة "كاريكاتورية" قابلة للتفريخ.

استمراء حركات الإسلام السياسي، الدفاع عن تطرف غير نمطي بذهنية نمطية، يدفع خطابها السياسي نحو زوايا معتمة، ويبقيه عرضة لتآكل، يقلص دائرة المريدين التي تواجه أزمة في استيعاب المزاوجة بين نقيضين، والدفاع عن النقيض ونقيضه.