الخميس 18 سبتمبر 2014 / 23:05

"النُصرة": أهلاً بكم في النادي



احتج قيادي في جبهة "النصرة" على المماطلة التي يتبعها المسؤولون اللبنانيون في التفاوض بشأن إفراج الجبهة و"داعش" عن أكثر من عشرين جندياً ما زالوا أسرى عند التنظيمين، لينضم القيادي هذا إلى أكثرية اللبنانيين التي تعاني من طريقة التعامل ذاتها التي يتبعها السياسيون في هذا البلد.

واتهم القيادي السلطات اللبنانية بالتسويف والإدلاء بتصريحات تهدف إلى "تخدير" أهالي المخطوفين وتهدئة الشارع المتوتر فيما لا تجري الجهات المعنية أي نوع من التفاوض الجدي مع الحاطفين في وقت يسعى عدد كبير من الوسطاء إلى الإفراج عن الجنود "لتحقيق مكاسب شخصية". ولم ينس الرجل توجيه تهديد بأن الجندي "الرافضي" الأول يقترب من ملاقاة مصيره.

يمكن القول إن القيادي المذكور قد بدأ باكتشاف حقيقة السلطة اللبنانية وعدّة الشغل التي تمارس بها أعمالها ومهماتها اليومية: تأجيل الأمور العاجلة إلى أن تتفاقم وتتحول كوارث عامة. يضاف إلى ذلك طبعاً الرغبة العامة والعارمة في تحويل كل حادث حتى لو كان مأساوياً من نوع خطف جنود الجيش وقوى الأمن، إلى وسيلة للتكسب وتحقيق الأرباح بالمعنيين السياسي والمادي.

الأرجح أن إرهابي "النصرة" يشعر بحيرة من الأسلوب الذي تتعامل به الدولة اللبنانية مع قضية على هذه الدرجة من الحساسية، ليس فقط لأن المطالب التي حددتها الجبهة و"داعش" للإفراج عن الجنود - أي إطلاق سراح عدد من الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية وانسحاب قوات "حزب الله" من سوريا وتخفيف الضغوط عن اللاجئين السوريين في لبنان- غير قابلة للتحقيق، بل أيضاً لأن قرار السلطات اللبنانية الموزع على عدد كبير من "المرجعيات" و"القيادات" تجعل من أي عملية تفاوضية كابوس حقيقي للطرف الآخر.

وسيان، بالنسبة إلى الزعامات اللبنانية أكان الطرف الثاني "نصرة" أو "داعش" أو شركات تعتزم الاستثمار في البلاد أو التنقيب عن النفط في البحر أو مياومون يقطعون الكهرباء عن عموم السكان (واللاجئين). المهم والأساس في عملية صنع القرار اللبناني هو الوصول إلى إجماع بين القوى الطائفية- السياسية المتصارعة.

وتقول وقائع التفكك اليومي في الإدارة العامة ومؤسسات الدولة والعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من 4 أشهر والفشل في الاتفاق على انتخاب مجلس نيابي جديد، أن الإجماع المطلوب يبتعد يوماً بعد يوم عن دائرة "المعقولات" ويكرس وجوده في حيز "المستحيلات".

جلي أن ثمن هذا النهج باهظ جداً على استقرار لبنان واقتصاده وقدراته على الخروج من أزمته الراهنة، بيد أن ذلك لا يشكل مصدر قلق للطوائف وسياسييها ما دامت آلية تجديد النظام الذي يحكمون بواسطته سليمة وعاملة، وما دام أن المعروض في بازار المقايضة بين "القيادات" لا يقل عن رئاسة الجمهورية أو ضمان تلقي التمويل والمساعدة اللازمة من الدولة الإقليمية الراعية والممولة.

المواطنون، السكان، الشعب، جزء جد هامشي في هذا المشهد ولا ينال أي احترام حقيقي من الزعماء الذين يدينون، كما هو معلوم، بمناصبهم ومراكزهم وأشياء كثيرة أخرى إلى الجهات الخارجية التي رفعتهم على رقاب العباد، برضا هؤلاء وقبولهم على ما تدل إعادة انتخابهم مرة بعد مرة منذ عقود طويلة.

وتصغر في عين عصبة سياسية من هذه الطينة معاناة الجنود الذين أسروا في مواجهة لم يكونوا مهيأين، لا بالعدد ولا بالسلاح لخوضها، ومعاناة أهاليهم وعائلاتهم والمناخ المتشنج الذي تنشره هذه القضية في لبنان. بل إن هناك من استغل مأساة الاسرى ووجد في إطلاق الدهماء والرعاع للاعتداء على مئات اللاجئين السوريين عملاً يعود عليه بالفائدة لناحية تجييش فريقه و"شد عصبه" حول قيادته. ووجد آخرون في اختطاف الجنود فرصة لرفع مستوى الخطاب العنصري والطائفي الى مستويات لم يشهدها لبنان في أوج الحرب الأهلية، فيما تقول المعلومات المتوفرة ان عمليات تسليح واسعة النطاق تجري في صفوف المواطنين المستعدين لبدء "الاعمال العدائية" بين بعضهم البعض ما أن يدعو الداعي.

القيادي في "النصرة" الذي يحتج على تسويف السلطات اللبنانية، لا شك في أنه يتعرف على نوع جديد من سياسيين لا يمانعون في ارتكاب أية موبقة من الموبقات للاحتفاظ بمواقعهم ما دامت آليات المحاسبة والرقابة غائبة في أحسن الأحوال، وفي خدمتهم في أسوئها.

فلا يعود عند ذلك من قول للارهابي في النصرة سوى: أهلاً بك في نادي من يعاني من سياسيي لبنان.