السبت 20 سبتمبر 2014 / 13:16

داعش الظاهر... وداعش المستتر



اشتهر داعش وبسرعة قياسية، كمصدر رعب للكيانات والمجتمعات، وذلك من خلال قيامه بجرائم جماعية شديدة الفظاظة، وعنوان هذه الجرائم هو قطع الرؤوس، وما تحت ذلك من اجراءات متخلفة تتخذ تحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية.

وداعش هذا الذي يحشد من أجله الآن تحالف عالمي، يضم أكبر دول العالم من حيث القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية، وما يلفت في الأمر أن هذا الاحتشاد الواسع الذي من شأنه وفق كل المقاييس حسم حرب عالمية تقليدية في مدة لا تزيد عن سنة، إلا أنه في أمر داعش وكما قال القائد الأعلى للحشد، قد يستغرق ثلاث سنوات أو أربع. وهذا نوع مبتكر من الدعاية لداعش، الذي وحين نقر بالحاجة إلى هذه المدة كما لو أننا نصوره على أنه بقوة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، أو بقوة اليابان والاتحاد السوفياتي.

لا احد يجرؤ على التقليل من خطر داعش على كل النواحي الحياة الإنسانية، ولا أحد يستهين بالانتشار البكتيري الذي أظهرته هذه الظاهرة المرعبة، وهو انتشار لم تتخيله أعتى الأحلام جسارة، فمن يصدق أن ميليشيا بدائية متخلفة اكتسحت أهم بلدين عربيين اشتهرا بقوة الجيوش وأجهزة الامن والقبضة الحديدة، وفوق ذلك باتت مصدر رعب لكيانات اخرى يبيت أهلها على خوف ويستيقظون استعداداً لخوف الليلة القادمة.
وداعش الذي يجري الحديث عنه وعن أنشطته الرهيبة، ويشاهد الناس أشرطة الفيديو التي تبث صور من يذبحون كالنعاج بسكاكين مثلومة ليستمتع الذابح وخليفته بأطول مدة من عذاب المذبوح.

وداعش الذي تتسابق وكالات الأنباء والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعها المليارات من بني البشر، على نشر رسائله للبشرية بدءاً من جهاد النكاح إلى السبي بصور مختلفة، وإلى جباية الجزية وفتح المقابر الجماعية لمن لا يتطابق ويذعن مع نزواتهم السوداء، وقوانينهم المشتقة من أي مكان إلا الدين الإسلامي الحنيف.

داعش الذي يفعل كل هذا جهاراً نهاراً، ولا يخفي شيئاً من طقوسه الدموية، لم يكن مجرد نيزك هبط بصورة مفاجئة من سماء مجهولة، وما كان لهذه الظاهرة المرعبة أن تبزغ وتكتسح بهذه السرعة الضوئية، لو لم يكن لها روافد نشطة وغنية توفر لها مساحات الحركة وإمكانيات الفعل المؤثر، وهنا لا أتحدث عن دول ونظم وكيانات عاجلت إلى التقاط هذه الظاهرة السوداء وتوظيفها في خدمة أجنداتها وبرامجها وتطلعاتها، فعلى خطورة وجودها في عالمنا، هنالك من خطره أعظم وأعمق، فوراء داعش ذلك الاهمال المتمادي لظواهر استخدام الدين وفق أهواء وأغراض المتخلفين ممن تسللوا إلى وعي آبائنا وأمهاتنا وأخواتنا وجيراننا، ليقدموا لهم إسلاماً راشحاً بالدم وطافحاً بالجثث، ولقد تغاضينا عن هؤلاء، وهم يحقنون أجيالاً مسلمة بداء الكراهية والحقد والاستعداد التلقائي لإزهاق روح من يختلفون معه، ولقد كبر داعش، حين تغاضينا عن التجرؤ الآدمي على شؤون الخالق، فوجدنا آلاف إن لم نقل ملايين البشر، كل يقيم الحد باسم الله وباسم الدين ما حول العالم الذي جاء الإسلام أصلاً لتحديثه ونشر القيم الصالحة بين أهله إلى ساحة حرب مجللة بالدمار والدماء.

وإذا كان داعش الذي خلع على نفسه اسم الدولة الإسلامية، يمارس كل هذه الموبقات علناً وفي وضح النهار مستخدماً كل وسائل التكنولوجيا لنشرها وتخويف الناس بها، فإن داعش المستتر الذي يرتدي عرابوه بذلات أنيقة ويطوقون أعناقهم بربطات عنق أمريكية أو أوروبية، ويقفون أمام الكاميرات ينددون بالإرهاب، ويتباهون بخلو بلادهم من هذا الوباء، بل ويقدمون أفضل مأوى، وأغزر إمكانيات لهذه الظاهرة تحت جنح الظلام، فهؤلاء هم داعش الأخطر والأشدّ فتكاً بالقيم والدين ومعانيه الحقيقية السليمة.

وبكل أسف فداعش المستتر موجود حتى في أدق تفاصيل وقائعنا وحياتنا، وأمامي في إحدى المدن العربية المستقرة الى حد ما، راقبت مشاجرة بين سائق تاكسي وراكب معه، ربما كانت المشاجرة على حفنة قروش أو لقراءة متباينة للعداد، وذلك يحدث في كل زمان ومكان، إلا أن الذي أقنعني بخطورة الموقف هي تلك الجملة التي قالها السائق مهدداً ومتوعداً الراكب ... "بسيطة بكرة بيجي داعش" .