الأحد 21 سبتمبر 2014 / 00:39

الخليفة والولي



تكفي سياسة "التمنع" و"التوظيف" التي تتبعها إيران وتركيا في التعاطي مع استحقاقات الحرب على إرهاب "داعش" لإشغال مراكز البحث في الحسابات التي تدفع "الولي الفقيه" و"الخليفة العثماني" لمراوغة أخطر ظواهر التطرف الديني، والتعايش معها إذا اقتضت الضرورة .

لم يكن مفاجئاً وصول تقليب المواقف ورصدها إلى أسباب مباشرة وغير مباشرة عوامل داخلية وأخرى خارجية دفعت صناع القرار السياسي في طهران وأنقرة إلى الالتقاء عند نقطة تجنب المشاركة في تحالف دولي ينهي ممارسات، تستفز الضمير الإنساني، وتروع شعوب المنطقة .
اللافت للنظر أن دوافع "ولي الفقيه" الإيراني و"الخليفة العثماني" الجديد بعيدة عن الأسباب المعلنة للتهرب من المشاركة في التحالف، وإن طغت الثانية على الأولى في المعالجات السطحية المتداولة .

هناك ما يوحي بأن التوازنات الداخلية لها الدور الأكبر في توجيه البوصلتين الإيرانية والتركية نحو هذه الوجهة.

فمن ناحيته، يواجه المرشد الأعلى علي خامنئي، أزمة حقيقية في ضبط إيقاع أجنحة الحكم ظهرت واضحة في تطورات الموقف الإيراني، وهو ينتقل من عتب على الولايات المتحدة، لغياب عرض المشاركة، إلى مهاجمة التحالف الدولي، باعتباره خطوة لتعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة .

التغير السريع في الموقف الإيراني ارتبط بمغادرة المرشد الأعلى المستشفى، ليعيد إلى الأذهان حقيقة وجود أكثر من آلية تفكير، في مؤسسة الحكم الإيرانية، يحرص خامنئي على إبقائها تحت سيطرته .

وبإحكام سيطرة الولي الفقيه على الموقف، تدخل إيران مرحلة جديدة من صراع "عض الأصابع" مع المجتمع الدولي، على أمل أن تصرخ الإدارة الأمريكية أولاً، وتقدم بعض التنازلات، المتعلقة بالملف النووي، وإجراءات الحظر التجاري .
على الجانب الآخر، يبدو مطبخ القرار التركي أكثر انسجاماً، مع منهج تفكير حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وهو يختار التعايش مع داعش، ورفض محاربته بحجة الخشية على حياة الدبلوماسيين المحتجزين في الموصل .

شبكة العلاقات الاقتصادية واللوجستية التي تربط الحكومة التركية بداعش والتسهيلات التي اتاحت للتنظيم التغلغل في تركيا ويجسدها بوضوح حي "حاجي بيرام" في أنقرة، تعزز الخيار التركي بالتنحي عن مواجهة ظاهرة التطرف، والبحث عن أقصر سبل الاستفادة منها، مع تقليل فاتورة هذا الموقف قدر المستطاع .

ويعتقد صانع القرار التركي، المعزول إقليمياً ودولياً، بفعل خياراته الاستراتيجية، وتكتيكاته المرحلية، أن مكاسبه الضيقة من مراوغته التحالف الدولي تفوق ما يمكن تحقيقه في حال المشاركة .

الملف السوري، محطة لقاء أخرى بين الموقفين التركي والإيراني، وإن اختلفت زوايا النظر إليه بين قلق من تسارع تآكل نظام بشار الأسد، وخشية استقوائه وإعادة تأهيله، في حال توجيه ضربات لداعش في سوريا.

كما يلتقي "المرشد الأعلى" و"الولي الفقيه" في الخشية من تلقي الأكراد، جرعات قوة إضافية تدفع باتجاه تعزيز نزعاتهم الاستقلالية، ومطالبتهم بحقوقهم القومية.

تهاوي حجج التهرب من الاستحقاق الإقليمي و الدولي يقلص هامش مناورة صناع القرار في البلدين، ويوفر مقدمات إضافية لزيادة عزلتهما السياسية في المرحلة المقبلة، إلا أن الموقفين لم يخرجا عن تعرجات الخطين البيانيين لسياستي النظامين حيث اعتاد ملالي إيران منذ وصولهم إلى الحكم على تصدير أزماتهم للخارج ودرجت تركيا على مفارقة مظاهر العصرنة، والتقارب مع تيارات الإسلام السياسي بطبعاتها الأكثر يمينية .