السبت 18 أكتوبر 2014 / 15:23

المغول الجدد يوقظون القرون الوسطى في أوروبا



سيسجل لداعش في الشرق أن الغرب اضطر للرد عليها إلى إحياء قوانين القرون الوسطى. فها هو وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند يعلن من عاصمة أقدم الديمقراطيات الغربية أن بلاده "قد تستخدم أحد قوانين العصور الوسطى لتوجيه اتهامات إلى بريطانيين ذهبوا إلى سوريا والعراق للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية". وبموجب هذا القانون فإن "أي بريطاني يعلن ولاءه للدولة الاسلامية يمكن ان يكون قد ارتكب جرماً بموجب قانون الخيانة لعام 1351 الذي صدر في عهد الملك الانجليزي إدوارد الثالث". وبالتالي يمكن أن يواجه، بموجب هذا القانون، حكما بالإعدام.

مثل هذه الإعلان الذي طلع به هاموند على البريطانيين، يحمل إشارة قوية إلى عزم المملكة المتحدة سنّ سلاح قديم، والدخول به إلى معركتين تخوضهما في وقت واحد، الأولى دفاعية تخوضها ضد رعاياها الضالين على تراب الجزيرة البريطانية، والثانية هجومية تخوضها في سماء المشرق العربي، في العراق والشام مستهدفة قوى الظلام الداعشي التي أسقطت (ويا للمفارقة) الحدود المرسومة بقلم الشريكين الفرنسي والبريطاني.

ويكشف هذا الإعلان عن ميل السياسيين البريطانيين، المذعورين من أوبئة الإرهاب المتعاقبة ظهورا في العوالم المحكومة بالاستبداد ومخلفاته المريعة (وهؤلاء لا يضيرهم أن يتناسوا أدوارهم في تأبيده، مشرقا ومغربا) إلى استحضار كل ما في ترسانتهم التاريخية من رموز وإيحاءات القوة، وإحياء قوانينها الملغاة لمواجهة جنون اللحظة الداعشية. ويفيدنا التاريخ بأن إدوار الثالث هو الذي أعلن رسميا بدء ما سمي بحرب المائة عام في أوروبا، ردا على منعه من وراثة عرش فرنسا، وكان وريثا شرعيا للعرش من جهة الأم. وليس من المصادفة أن استحضار قانون الخيانة القروسطي (آخر بريطاني أعدم بفعله كان وليام جويس سنة 1946 بتهمة الدعاية للنازية الالمانية) إنما يحيل على زمن اجتياح المغول للشرق، ووصول أخبار إرهابهم وفظاعاتهم إلى الغرب، مصحوبة بالإعلان عن نيتهم اجتياح أوروبا.

لكن الخطر الذي يستشعره الغرب من داعش اليوم، إنما يبدو (على فكاهيته وفانطازيته) أقرب إلى التصديق من قبل عامة الناس، في ظل ما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة من تحذيرات يطلقها السياسيون والعسكريون الغربيون عن إمكان وصول دماء المغول الجدد إلى البدن الغربي.
يقول هاموند "إن نحو 500 بريطاني بينهم كثيرون من أبناء مهاجرين مسلمين يحاربون في العراق وسوريا لكن العدد الفعلي قد يكون أكثر بكثير" ومصدر قلق المسؤولين البريطانيين. أن يعود هؤلاء من سوريا والعراق ويتفرغوا لشن هجمات في جزيرة البريطانية.

ها هو الغرب الذي صمت على الجرائم الجماعية لدولة الأسد وعلى الموت الجماعي بالغاز في بساتين دمشق، يتقهقر، بخطاباته وقوانينه، مع الشرق حيث تتقهقر خطاباته، ويكاد ينكص بحالة الحريات، ليضيّق المسافة بين لغته الحديثة المتحدرة بقاموسها الإنساني عن خطابات عصر الأنوار، ولغة هؤلاء البرابرة الجدد، الذين يرتكبون الفظاعات وينشرون الظلام.

نمنا وصحونا في ما يشبه الكوميديا السوداء، لنجد الاستبداد الذي طالما قدّمت دولته الخدمات للغرب، يولِّد (تحت سمع العالم وبصره، وتسهيلاته أيضا) صوره الداعشية في مرايا الفظاعات، ليكون الدواعش شركاء للمستبد الذي أخرجهم من كتابه الدموي، كما أخرج فرانكشتاين مسخه. ها هم جميعا يتعاونون على تمزيق الشرق العربي تحت سمع العالم وبصره، وما عادوا يهتمون لا بفرانكشتاين في دمشق ولا بالأساطيل الجوية المهيبة لحماته الموضوعيين.

على أن إعلان هاموند استعادة قانون الخيانة الذي سنه إدوارد الثالث، وعلى رغم الإرهاب و فوبياه المنتشرة بأسرع من انتشار الأيبولا، والمناخ الذي سمح للنائب البرلماني المحافظ فيليب هولوبون من القول بـأن "استخدام هذا القانون الذي يجرم من ارتكب جرائم حرب قد يكون مناسبا مع الجهاديين أكثر من قوانين مكافحة الارهاب التي صدرت لاحقا"، فلابد أن يثير الإعلان نقاشا واسعاً في الإعلام والمنتديات السياسية والحقوقية والمؤسسات الأكاديمية البريطانية، فضلا عن الأوساط الحقوقية، التي تعتبر أن سن القوانين وإلغاءها مرتبطين بالحقوق المدنية في مجتمعات ديمقراطية لا تجيز للسياسيين المساس بها. ناهيك عن أن سن القوانين أو إعادة العمل بقوانين هجرت، إنما يحتاج من الحكومات عادة إلى حشد الأنصار وخوض نقاشات برلمانية مثقلة بالأسانيد والشواهد التي تؤكد توافق القوانين مع اللوائح الحقوقية، حتى يمكن تمريرها وإقرارها في مجلس العموم، وكذا في مجلس اللوردات، لاسيما أن عقوبة الإعدام استنادا إلى القانون المذكور أوقف العمل بها عام 1988، والعقوبة القصوى المعمول بها في القوانين البريطانية، أيا يكن الجرم هو السجن مدى الحياة.

استعارة قانون من العصور الوسطى لابد أن يفتح الباب لدخول كل العصور الوسطى إلى عصرنا.