الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 / 01:03

الفنان وجاذبية الانتخاب



1-
فعل الانتخابات يُغري الجميع، عندما يزدهر الطمع في الكرسيّ، وتسطو النرجسيةُ على النفوس ساعة تحلّ الديموقراطية بشكل فجائيّ، ودون سابق تدرّج كما هو الحال في البلدان التي انقلبت شعوبها بعد سبات طويل على رؤسائها ونُظُمِها، وإثر عاصفة على رئيس كان كلَّ شيء، وما عداه لم يكن شيئاً، وبعده ذلك صار يشبه اللاشيء وبات بين عشية وضحاها نِسْياً منسيًّا، وحزبه الحاكم المطلق انحلّ وتوزّع أعضاؤه بين حوانيت حزبية مختلفة ،بعد انتشار التعددية .

2-
لا تترك الانتخابات، في مثل هذا الوضع، أحدًا خارج دائرة السحر، فكأنّ المواطن الذي لم يكن يملك غير بطاقة هوية وجواز سفر وبطاقة ناخب، صار بإمكانه أن يكون مترشحاً، ممثلاً ونائباً عن جهة من الجهات في إطار حزبي أو مستقلّ، أو حتّى رئيساً، وهكذا تتقدم إلى الانتخابات نفوس محددة وتحرّض أصحابها على الجرأة، وتبعث فيهم شيئاً من النخوة التي تنقص نفوسهم، وتقول الانتخابات لكل واحد بأنها جائزة متاحة وساحة مباحة للجميع .

3-
فتنة الانتخاب تخلّف ضحاياها وراءها ، كما أنها تجدد العهد للجميع، ولا تعرف رياحها إلى أي اتجاه تجري، فالذين يخوضون الانتخابات هم الفرسان والضحايا، والمرضى بها لا ينجون من إدمان الترشّح .

كما أنها لا تغلق الباب أبداً في وجوه عشاقها وضحاياها والموهوبين والمعذَّبين في إدارة شؤونها من الذين يشعرون أنّهم لا يستطيعون من حبها فكاكًا، فهم يرَوْنَ أنها تسبر شعبيتهم وتمتحن حبّ الناس المنتخبين، وهم يلتذّون بالنتيجة مهما كانت، فلا أحد يفوز باستمرار الخاسرون كُثْرٌ، وَيتنافسون على الفوز وسحق الأعداء.

4-
كأنّ الطبيعة تنتخب، بدورها أهلَ الانتخاب، وتفرزهم فرزاً، فهم يقبلون الهزيمة ويعودون إلى الميدان من جديد، وفي هذا الأمر، هم يشبهون المجرمين الذين يقعون تحت ضغط الحنين إلى موقع الجريمة/ صناديق الانتخاب.

5-
الانتخابات امرأةٌ واسعة العين، معجبةٌ بالمُتَنَبّي فهي لاتقنع "بما دون النجوم".

هكذا تعلّم المنتخبون وأهلُه وناسه كيف يكونون نجوماً لا تنطفئ لهم شعلة، ولا تخبو لهم نار، وهم مجبرون على أن يبقوا دائماً في دائرة النور، فالجمهور واقع في انتظارهم أمام التلفزيون.

6-
والانتخابات ومناصبها، والسياسة ومقالبها تغريان النجوم في الرياضة والموسيقى والمسرح والأدب وغيرها من المجالات البعيدة عن الشؤون السياسية.

وهؤلاء النجوم يشعرون أحياناً أنه بإمكانهم أن يخوضوا الانتخابات مسلّحين برصيد جماهيريّ بالغ العدد، فالمطرب الذي يملأ جمهورُهُ ملعباً رياضياً، والروائي الذي يبيع ملايين النسخ من رواياته، والرياضي الذي يلصق المعجبون به صوره على قمصانهم، والممثل الذي يرتفع سهمه في بورصة الجمهور وغير هؤلاء، يتصوّرون أنّ بإمكانهم ان ينسخوا نجاحهم في الفنّ نسخاً في مجال الانتخاب، وفي الوقت نفسه هناك من عرف هذا السحر الذي يمليه الكرسيّ والمنصب وفضّل في النهاية أن يبقى خارج دائرة هذا السحر.

7-
الأمثلة كثيرة على الانتخابات في تاريخ الأدب والفنّ ، وهي واقعة بين الانجذاب والانسحاب :

أ‌- سبق للانتخابات أن خدعت الروائي البيروفي "ماريا فارغاس يوسا" الذي ترشح للرئاسة ممثلاً عن اليمين والوسط ، فقد زيّنوا لهذا الكاتب وأوهموه بأنّ جمهور قرّائه سوف يتّسع، وخاب الكاتب في الرئاسة سنة 1990، ولكنه فاز بجائزة نوبل للآداب سنة 2010.

ب‌- اكتفى الروائي الكولومبي "غابريال غارسيا ماركيز " بصداقة الرؤساء والبابا, ورغم جماهيريته ونجوميته، وكُتُبِهِ المليونية النسخ، فإنّه لم ينخرط في إغواء الانتخابات .

ج- استقال نزار قباني من الديبلوماسية السورية، وأدرك أنه مواطن يصلح لكتابة الشعر ولا ينفع إلاّ باعتباره حاملاً لديوان الشاعر لا لأوراق السفير .

د- اعتذر محمود درويش لزعيمه ياسر عرفات عن حمل حقيبة وزارة الثقافة الفلسطينية، وكان مستشعِراً أنّ مكانَ الوزير مؤامرةٌ على مكانة الشاعر .

ه- الرئيس السنغاليّ الأوّل الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، حكم مابين 1960 و1980 وفضّل الانسحاب من الرئاسة ، وكان بوسعه أن يواصل البقاء في السلطة ، غير أنّه فضّل العودة إلى حديقته الأولى: الشعر، وعاد إلى ممارسة النشاط الفكري والشعري .

و- في التاريخ العربي القديم نموذج طريف هو الشاعر الأمير تميم بن المعز لدين الله الفاطمي (337 ـ 374هـ/948 ـ 985م)، و هو وليُّ عهد أبيه المعزّ ، فقد كان أكبر إخوته، ولكنه أيقن أنّه لا تتوفر فيه الأهلية السياسية اللازمة لمسك زمام الدولة، وحاورَ هذا الأميرُ ذاتَه الشاعرة فأكدتْ له أنّه لا يصلح إلاّ للأدب، وهو مولع بالمُدام والغرام، وهكذا صار المُلْكُ من نصيب أخيه الأصغر منه، بعد رحيل أبيه، وسجل التاريخ أن تميماً ابن المعزّ شاعرٌ عرف حقّ قدره، فلم يظلمها في الميزان، ولم ينجذب إلى ما لا يستطيعه. ولذلك ابتعد وانسحب.

8-
قالوا : عاش من عرف قدره،

وأضافوا : أوْ جلس دونَه .