الأربعاء 22 أكتوبر 2014 / 20:33

لماذا ينضم أوروبيون أقحاح إلى "داعش"؟



دار نقاش عميق خلال المنتدى السنوي التاسع لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية الذي اختتم أعماله في أبو ظبي اليوم حول الأسباب التي دفعت أوروبيين أقحاح إلي أن ينضموا إلى "داعش" رغم أنهم ينعمون بالحرية والرفاه في بلادهم، وكثير منهم تلقوا تعليماً حديثاً، يجعل بإمكانهم تمييز الخبيث من الطيب، والمفيد من المضر، وما يبعث على التقدم مما يوقع في التخلف.

ابتداء قدم الكاتب الصحافي اللبناني الكبير الأستاذ عبد الوهاب بدرخان ورقة بعنوان "إعادة تصدير الإرهاب من الغرب إلى العالم العربي" كشف فيها أن خمسة بريطانيين يلتحقون بداعش كل أسبوع، إلا أن أغلب هؤلاء ينحدرون من أصول عربية وإسلامية. لكن السؤال: ماذا عن بريطانيين وفرنسيين وألمان وصرب وأوروبيين آخرين هم لاتين وجرمان وسلاف وآريين .. الخ.

هذا سؤال أثاره الدكتور وحيد عبد المجيد الكاتب والباحث البارز رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، وأجاب عليه بنفسه ليعزو ذلك إلى تراجع تأثير الفلسلفات الكلية والسرديات الكبرى في أوروبا، وهي رؤى ونظريات كان بوسعها أن تجذب قطاعات عريضة من الشباب في العقود الماضية إلا أنها أفلست الآن، ولم يعد بوسعها أن تجيب على أسئلة الشباب المتجددة والملحة، فتركتهم فريسة للفراغ والحيرة، ولذا راح بعضهم يبحث عن الامتلاء في ركاب "داعش" ورحابها، أو هكذا يظن ويتوهم.

تحدث الكاتب السعودي الأستاذ تركي الدخيل في ورقة عن إعلام "داعش" فاقترب من جوهر الموضوع حين أتى بشكل تفصيلي عن جانب الإغراء والإثارة فيما ينتجه هذا التنظيم الإرهابي من مواد إعلامية جذابة، بحس هوليودي واضح عياناً بياناً، مستهلاً بذلك الفيديو الذي ظهر فيه شاب أسمر يقول عن تجربته بين مقاتلي داعش في أرض الشام موجها حديثه إلى أبناء جيله: "أشعر أنني في حلم .. المتعة التي نحن فيها لا يمكنكم تخيلها .. إنها والله لنعمة عظيمة".

في ظني أن السبب في انضمام أوروبيين أقحاح إلى داعش لا يعود فقط إلى إفلاس الفلسفات الغربية، ولا إلى ظروف قاسية تواجه بعض الشباب الأوروبي الأصلي، بعضها اقتصادي يتعلق بالبطالة والتهميش وبعضها نفسي يرتبط بالاغتراب وكراهية منتج الحداثة والعولمة وعدم التحقق لوجود هوة بين الحلم والواقع أو حتى الرغبة في الانتقام، إنما للموضوع جانب آخر إلى جانب كل هذا، يتعلق بغرائبية داعش، كما يصورها الإعلام العربي والغربي بنسب متفاوتة، أو يصدرها التنظيم الإرهابي نفسه عن فكره وشخوصه وحاله وحياة من ينضمون إليه.

هذه الغرائبية وتلك العجائبية مغرية وجاذبة، وهي مسألة تعلمها هوليود نفسها ولذا تنتج عشرات الأفلام من أمثال "ملك الخواتم" و"أفاتار" وكل أفلام الـ "فان باير" و"المستذئبون" وكذلك أفلام الرعب متنوعة الموضوعات، موقنة أن لها جمهوراً ينتظرها في لهفة لتكسر رتابة حياته، أو تمتعه، أو تطلق العنان لخياله، أو تلبي احتياجه إلى الأساطير في عالم رقمي غارق في الأتمتة.

ولعل ما ذكره الباحث السعودي منصور النقيدان مفيد في شرح جانب من الأسباب، حيث قال إنه التقى شاباً سعودياً قاتل في الشيشان فراح يتحدث له بفخر واعتزاز عن تجربته هناك: "كنت أشعر أنني رجل، بطل، مقاتل جسور، حر، أمشي في الجبال حاملاً رشاشي ولا يوقفني أحد .. لم أجد ذاتي إلا بين المقاتلين".

كان هذا الشاب لا يبحث عن التحقق فحسب، بل يريد أن يكون كائناً أسطورياً، وهناك من بين الأوروبيين الأقحاح من يريدون هذا أيضاً، ويعتقدون أن بوسع "داعش" فقط على الأر ض أن تحقق لهم أمانيهم بأن يكونوا أبطالاً أسطوريين مثل أولئك الذين يملؤون الشاشات البيضاء قادمين من هوليود.