الخميس 23 أكتوبر 2014 / 00:16

تقرير: لماذا لا تشعر إسرائيل بالقلق من داعش؟

للوهلة الأولى تبدو إسرائيل مشغولة بصعود الدولة الا إسلامية(داعش) مثل الجميع، فوسائل الإعلام الإسرائيلية لا تألو جهداً في تغطية هجوم التنظيم المتطرف على مدينة كوباني الكردية، كما تنشر تقريراً كل بضعة أيام عن فظائعه، وكثيراً ما يشير رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى داعش، شأنه شأن الوزراء الإسرائيليين الآخرين، كما نشرت أخيراً في الصحافة قصص المواطنين الإسرائيليين الفلسطينيين اللذين قتلا وهما يحاربان في صفوف الجماعة.

التهديد الحقيقي الوحيد الذي تمثله الدولة اللا إسلامية لإسرائيل رغم بعده يتمثل فيما إذا أطاحت بأي دول عربية "معتدلة"

ومع ذلك، تبقى إسرائيل أقل الدول قلقاً، وأقلها عرضة للتهديد المباشر، في منطقة يهزها تقدم داعش على نحو مطرد، ومن المؤكد أنها لا ترى في هذه الجماعة خطراً خارجياً عليها، ورغم أن الأحداث في سوريا والعراق مروعة، فإن إسرائيل بعيدة عن مدى أكثر الأسلحة تطوراً في حوزة داعش.

لم يقترب التنظيم من إسرائيل بعد
كذلك فإن الاهتمامات الإقليمية المباشرة للجماعة لا تصل بأي حال من الأحوال لما يقترب من الحدود الإسرائيلية، كما أن التأييد الذي تحظى به في المناطق المجاورة لإسرائيل مازال لا يذكر، والأكثر من ذلك، وعلى النقيض من جماعات متشددة كثيرة ودول في المنطقة، فإن داعش أكد بنفسه عدم اهتمامه بالتدخل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفضل بدلاً من ذلك أن يستمد التأييد من رغبة السنة في الثأر، وإعادة قدر من النظام إلى المناطق التي مزقتها الحرب من العراق.

ولا تمثل الدولة اللا إسلامية حتى الآن أي تهديد داخلي لإسرائيل، فعلى النقيض، من أغلب الدول المتاخمة لسوريا لم تؤد الحرب الأهلية هناك إلى زعزعة استقرار إسرائيل، سواءً من الناحية السياسية أو من الناحية السكانية، وأدت نظم السيطرة المتنوعة التي تستخدمها إسرائيل - وبعضها من الديمقراطية الليبرالية والبعض من الحكم العسكري - إلى ترسيخ الخلافات بين الدوائر في البلاد، التي تشعر باستياء من الحكومة الإسرائيلية.

وحالت الانقسامات دون ظهور انتفاضة واسعة النطاق، مماثلة لتلك التي كونت الربيع العربي، فالحدود القصيرة نسبياً ذات الوجود العسكري المكثف بين إسرائيل وسوريا، حالت دون تدفق اللاجئين على إسرائيل أو أي امتداد كبير للقتال.

لا ضغوط داخلية

وفي غياب الحوافز الداعية لتغيير السياسة، تبقى إسرائيل عازمة على إبداء عدم الاهتمام الرسمي بالعراق، والحياد الشديد إزاء سوريا، ورغم أن الحكومة كثيراً ما عبرت عن تعاطفها مع ضحايا الحرب الأهلية السورية، وعرضت العلاج الطبي على بعضهم، بل وهاجمت أهدافاً في سوريا مرة أو مرتين، فإن إسرائيل حرصت على أن تظهر للرئيس السوري بشار الأسد أنها تعتبره جاراً يمكن التعويل عليه نسبياً، وأنها لن تسعى بنشاط لإبداله.

ومن المستبعد أيضاً أن يتعرض القادة الإسرائيليون لأي ضغوط داخلية لتغيير هذا الموقف، ففي حين أن صور الحرب في سوريا دفعت بعض الفلسطينيين للسفر إلى الخارج، ورفع السلاح في وجه النظام السوري، والقتال في بعض الأحيان في صفوف منظمات جهادية، فإن الأعداد محدودة، كما أن الغضب موجه في الوقت الراهن للنظام السوري لا لإسرائيل، فقد كانت صور فظائع الدولة اللا إسلامية واقترانها بالتعصب الديني للجماعة، واحتقارها للدول القائمة على أسس وطنية، وعدم اهتمامها الصريح بالقضية الفلسطينية، عاملاً في تنفير الفلسطينيين أكثر منه في افتتانهم بما يجري من أحداث.

بل إن محاولات أصحاب الاتجاه الوسطي الإسرائيليين، وكذلك الولايات المتحدة لربط التقدم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، بالقتال ضد داعش لم تحرك إسرائيل، ويقول أصحاب هذا الرأي إنه على إسرائيل أن تقدم تنازلات في محادثاتها مع الفلسطينيين، لتهدئة الشعوب العربية في الوقت الذي تحاول فيه حكوماتها ربط مصائرها بالأمريكيين، وبالتالي بالإسرائيليين.

يقوم هذا على فكرة أن التهديد الحقيقي الوحيد الذي تمثله الدولة الا إسلامية لإسرائيل، رغم بعده، يتمثل فيما إذا أطاحت بأي دول عربية "معتدلة"، لاسيما الأردن، سواءً بغزوها أو الاستفادة من الاستياء المحلي فيها، أو بالاثنين معاً.

"يحدث لشعب آخر"
لكن الحكومة الإسرائيلية، التي ليس لها أي اهتمام سواءً سياسياً أو عقائدياً بتسهيل حل الدولتين، ترد حتى الآن بهز الأكتاف، والرأي في إسرائيل هو أن النظم العربية المعتدلة مهددة بما يكفي من جراء انتشار تنظيم داعش بدرجة تجعل الاستعانة الكاملة بالأمريكيين على رأس أولوياتهم، وإذا كان لأي شيء أن يطلق شرارة الثورة في هذه الدول فلن يكون محنة الفلسطينيين.

ورغم عدم وجود تهديدات مباشرة، تمكنت إسرائيل من استخلاص بعض المكاسب قصيرة الأجل من كارثة مازالت فصولها تتكشف، ومع التعبئة في الغرب ضد جماعة إسلامية متشددة، فإن نتانياهو يجد نفسه في أرض "الحرب على الإرهاب" المألوفة له، وهو يستفيد منها بمحاولة المساواة بين الشعور الوطني الفلسطيني، خاصة الجناح الديني منه وبين الدولة اللا إسلامية في كل فرصة متاحة (حتى إذا لم يكن لذلك أثر يذكر).

ثانياً، تبرز إسرائيل فائدتها للغرب مرة أخرى باعتبارها ركناً للاستقرار، وموالاة الغرب في شرق أوسط يموج، بخلاف ذلك، بالاضطرابات، وتستغل ذلك في دفع القضية الفلسطينية لأسفل جدول الأعمال.

وبغض النظر عن هذه الاعتبارات، فإن إسرائيل ترى أن داعش شيء يحدث لشعب آخر، وستبذل قصارى جهدها لإبقاء الأمر على هذا الحال.