الوضع الأمني في ليبيا (أرشيف)
الوضع الأمني في ليبيا (أرشيف)
الخميس 23 أكتوبر 2014 / 21:22

ليبيا: كل الذي لم يقل عن الحرب غير المقدسة على ورشفانة

24 - طرابلس - خاص

تعتبر ورشفانة من أكبر القبائل في الشمال الغربي، وكغيرها من القبائل الليبية التي شاركت في معارك الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي، تتربع على رقعة جغرافية تساوي ضعفي مساحة سنغافورة.

في المدة القريبة الماضية تم تناول هذه القبيلة باعتبارها مدينة، بما في ذلك في وسائل إعلام ليبية، لكن الحقيقة غير ذلك، إذ تضم العديد من المدن والمناطق أهمها العزيزية والزهراء والمعمورة، وفي عام 2011 إبان اندلاع الثورة الليبية، أبقت ورشفانة على علاقتها بنظام القذافي، أي لم يسجل فيها أي نوع من الانتفاض ضد حكم القذافي.

ولكن الغريب في الأمر، أنها المنطقة الوحيدة التي لم تشارك في الحرب على مدينة الزاوية، إذ شاركت جل المدن التي تتاخم مدن ثائرة بالحرب عليها، حيث ساهمت زليتن وتاورغاء في الحرب ضد مصراتة، كما شاركت المشاشية في الحرب على الزنتان، فيما ساهم أفراد من قبائل جنوب الزاوية في الحرب عليها وهم من الحرارات والقديرات وبعض الشعاليل.

بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام كأول كيان تشريعي منتخب، سيطرت عليه عدد من التيارات الإسلامية أهمها الإخوان المسلمين والقاعدة، مع أغلبية غير فاعلة لتحالف القوى الوطنية، ومع انشغال الشعب الليبي بشمول الانتصار، أخذت قوى الإسلام السياسي في قلب المعادلة فانشغلت بإقصاء الخصوم، والتمكن في مفاصل الدولة وعرقلت قيام الجيش والشرطة، وأهملت على حساب ذلك ملف المصالحة الوطنية والأمن.

تفاقم أزمة ورشفانة
وكان نتائج ذلك تفاقم أزمة ورشفانة، حيث استغل عدد من المحسوبين على النظام السابق وهم قلة مقارنة بإجمالي سكان المنطقة، استغلوا الانفلات الأمني وهشاشة الحكومة التي جاء بها المؤتمر الوطني، لتكوين خلايا غير نائمة سببت الأذى لسكان المنطقة قبل غيرهم، حيث كانت هذه الخلايا التي تكونت تحت قيادة ما يعرف بقائد المقاومة خالد بوعميد، الذي فرض الإتاوات على سكان المنطقة وخصوصاً رجال الأعمال والتجار لتمويل عملياتها العسكرية.

فدية
وتعرض العديد من أبناء ورشفانة أنفسهم للخطف، بغية الحصول على فدية من قبل الخاطفين الذين جاءوا من مختلف مناطق ليبيا، حتى أن عدداً من المحسوبين على نظام القذافي من أبناء مدينة الزاوية، ضبطوا وهم يقاتلون مع جيش المقاومة في ورشفانة، الذي تكون من عدد من المارقين والهاربين من جرائم قتل، إبان ثورة فبراير (شباط)، الذين جاءوا من مختلف المناطق مثل العجيلات ورقدالين وترهونة وبني وليد والزاوية، وغيرها من المناطق.

مغالطات
فالقول إن ورشفانة منطقة مؤيدة قول فيه الكثير من المغالطات، ولكنها منطقة تركها المؤتمر الوطني تواجه مصيرها بلا جيش أو شرطة أو حتى كتائب للثوار، ففي خانة المدن المؤيدة لنظام القذافي تأتي مدينة زليتن، التي كانت تخرج منها الصواريخ لتدك مصراتة، كما خرجت منها ما يسمى بالمسيرات المليونية المؤيدة، وتأتي غريان التي كانت الشوكة في خاصرة جبل نفوسة، وتأتي صرمان التي تعاملت مع ثورة الزاوية وكأنها ثورة وقعت في مندناو أو في دوربان.

الإخوان

بعد سيطرة الإخوان على الزاوية من خلال المجلس لم يكن سهلاً على الإخوان، إخضاع المدينة لأجندتهم فتم تقسيمها إلى 5 بلديات، بدلاً من واحدة، وذلك بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي التي سيطر عليها الإخوان أيضاً، وبسبب الضغوطات التي مارسها المحسوبون على التيار الإسلامي مثل محمد الكيلاني ومحمد التريكي وأحمد توفيق، وبجهود بعض النشطاء وكذلك مجلس الشورى تم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فبالضغط على السيد علي زيدان عادت الزاوية لتصبح ثلاث بلديات بدلاً من خمس.

الشخصيات الوطنية
هذا التقسيم أزاح العديد من الشخصيات الوطنية وقلب موازين القوى في المدينة، فكون رئيس المجلس المحلي هو محمد الكوني الخذراوي، وهو من قبيلة أولاد جربوع، التي لم يكن لها دور بارز في الثورة، دفع بعدد كبير من أبناء القبيلة للتأخون، من باب "من لم يشارك في الثورة فليشارك في المكاسب".

لفهم جوهر التغير الذي طرأ على مدينة الزاوية، كان ينبغي إقحام الأسطر السابقة في موضوع هو بالأساس عن أكبر حركة تهجير، تتعرض لها مناطق بحالها في ليبيا.

ومن المفيد أيضاً طرح التساؤل التالي: لماذا تتعرض ورشفانة لكل هذا؟ إذ خلت مدنها وقراها من أي شكل من أشكال الحياة، فقد أهلك الزرع وأحرقت البيوت وهجر الناس، فلا يوجد أي شكل من أشكال الحياة على كامل مساحتها.

أسباب فجر ليبيا
هناك سببان رئيسان لما عرف بعملية فجر ليبيا التي بدأت في طرابلس، ولن يكون آخرها ورشفانة، السبب الأول لا يخفى على أحد وهو انقلاب التيار الإخواني على شرعية البرلمان واحتلال طرابلس بعد إقصاء القوة المضادة المتمثلة في الزنتان، أما السبب الخفي فكون ورشفانة أرضاً غير خصبة للجماعات المتطرفة، إذ لم يسجل حتى الآن أي وجود للجماعات الإسلامية والجهادية فيها، ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام نصيراً للتيار الانقلابي، وبما أنها تحيط بطرابلس من جهتين مهمتين هي الغرب والجنوب، بما يسمى سهل الجفارة، فكان من الملح تحويدها عن الخارطة بحجة كونها مدينة حاضنة للأزلام، وهو ما يجانب الحقيقة أيضاً، وإلا فما رأي أنصار فجر ليبيا في مدن مثل العجيلات ورقدالين التي مازالت تحتفل بأعياد الفاتح من سبتمبر (أيلول) حتى العام 2014.

 الإخوان المسلمين في الزاوية أو في جزء من ثلاثة أجزاء مما كان يسمى الزاوية، حققوا أهم انتصاراتهم في حرب ورشفانة، حيث تمكن إخوان الزاوية ولأول مرة من دخول ميدان الشهداء والتظاهر فيه علنياً بعد أن كانوا ممنوعين من ذلك، مكتفين بالتظاهر في تقاطع الطريق الساحلي مع طريق الزهراء والذي أسماه بعض الناشطين (سيمافرو رابعة) والسيمافرو هو الإشارة الضوئية باللغة الايطالية، حيث تستخدم الكثير من مصطلحاتها في ليبيا.

إشعال الحرب
وأشعل الإخوان هذه الحرب بحجة أن أزلام النظام السابق قد اعتدوا على معسكر المتطرفين يقودهم رئيس غرفة ثوار ليبيا شعبان هدية المعروف بأبو عبيدة، ذات الفكر المتطرف التي ألقت القبض على رئيس الوزراء السابق علي زيدان وفجرت قناة العاصمة، فيما التهم شباب الزاوية الطعم، كان الإخوان يفتحون خزينة المجلس المحلي على مصراعيها إذ أنفق، وبحسب مقربين من المجلس طلبوا عدم تسميتهم، أكثر من 4 ملايين دينار ليبي، على الصواريخ التي دكت بيوت العائلات الآمنة في الزهراء والمعمورة والمايا والعامرية والناصرية، وغيرها من مناطق ورشفانة.

وما أبقته الصواريخ قضت عليه أيدي العابثين من جنزور، وسوق الجمعة والزاوية، وحتى من ورشفانة نفسها، إذ كان صلاح وادي، وهو  رشفاني محسوب على 17 فبراير (شباط)، ويقود سرية مقرها الزاوية، كان العين التي قادت لمنازل الكثيرين من أنصار القذافي، وفي المقابل قام عدد من أبناء ورشفانة بإحراق بيوت المؤيدين لثورة 17 فبراير (شباط) في المنطقة.

اليوم يمنع ما يسمى بثوار فجر ليبيا أهالي ورشفانة من العودة لبيوتهم بلا سبب أو ذريعة، ما تبقى قوله إن ورشفانة لا تختلف عن غيرها من المناطق التي توجد بها أغلبية مؤيدة لنظام القذافي، مثل بني وليد والمشاشية والجميل ورقدالين والعجيلات والجميل وبئر الغنم وقرية ناصر، الذين يرون في الزنتان الفكر الفبرايري المتطور الذي يقبل الآخر، ويمكن التعايش معه، وكلها مدن دفعها الإخوان للمزيد من الكره والحقد على مشروع 17 فبراير (شباط)، الذي جاء ليزيد الهوة في النسيج الاجتماعي الليبي ويكرس مفهوم الجهوية والظلم والإقصاء، وأدخل البلاد في نفق لا يبدو أن ثمة ضوء في آخره.