الجمعة 24 أكتوبر 2014 / 22:23

الرق ورجم الزناة والسلطة



بعد أيام قليلة من نشر مجلة "دابق" التي يصدرها تنظيم "داعش" مقالاً عن عودة نظام الرق ظهر مقطع فيديو لرجم امرأة في ريف مدينة حماة السورية بعد اتهامها بالزنا. الرق والزنا ينتميان إلى منظومتين قيمية وأخلاقية ساد الظن باندثارهما، لكنهما يظهران مجدداً في البلاد العربية.

الرد السهل على الممارسات هذه يذهب في العادة إلى التنديد بها والمسارعة إلى تبرئة الإسلام من رجسها. الواقع أن الامر أكثر تعقيداً من ذلك. فـ"داعش" أعمق انسجاماً أيديولوجياً مع نفسها وأشد اتساقاً بين أفعالها وأفكارها مما يرغب كثر بالاعتراف به. بل إنه بنى تنظيمه ويعمل على تحويله إلى مشروع دولة بالاستناد إلى هذين الانسجام والاتساق بالذات.

في العدد الرابع من مجلة "دابق" الإلكترونية (بين الصفحتين 14و17) مقال بعنوان "إحياء الرق قبل الأوان" ويورد فيه كاتبه عدداً من الآيات القرآنية (الآيات 1-7 من سورة "المؤمنون" على سبيل المثال)، والأحاديث النبوية وتفسيرات الفقهاء عن جواز الرق في الإسلام. إحياء هذه الممارسة تعني اقتراب الساعة إضافة إلى العلاج الذي يوفره الرق للظواهر السلبية من تزايد الفاحشة والمساكنة غير الشرعية بعد تخلي المسلمين المعاصرين عن الرق و"ملك اليمين".

يتلاقى التشخيص هذا مع ما قاله المسلح الداعشي في مقطع الفيديو قبل رجم المرأة المتهمة بالزنا في الريف الشرقي لمدينة حماة السورية.

ثمة أسلوبان في فهم ونقاش هذه الآراء. يقوم الأول على نقدها من وجهة النظر الدينية وتفنيد السياقات التي وردت فيها الآيات والاحاديث وتفسيرات الفقهاء ووضعها في إطارها التاريخي والتأكيد على أن العودة إلى الرق وإقامة حد الرجم على الزناة لا يعني بالضرورة التزاماً أكبر بإسلام أنقى وأصدق من إسلام الذين تركوا هذه الممارسات، اقتناعاً من الأخيرين بقدرة الإسلام على مماشاة العصر والتكيف معه. الأسلوب هذا لن يؤدي إلى عودة غلاة "داعش" عن قناعاتهم ذلك أنهم سبقوا القائلين به بتكفيرهم وإخراجهم من الملة ورد آرائهم عليهم.

الأسلوب الثاني يدعو إلى النظر في هذه الظواهر على أنها تعبير إضافي عن الحقائق الجديدة في الاجتماع العربي والإسلامي خصوصاً في بلدان المشرق.

لنأخذ رجم المرأة في ريف حماة عينة للتفكير فيها. في المجتمع البدوي والقبلي حيث ظهر الإسلام، كان النسب والشرف والميراث وبالتالي المكانة الاجتماعية ترتبط بصحة الانتماء إلى الأب، مصدر الامتيازات. وكان أي تشويش على ما يقدمه الأب، كظهور أبناء لا نسب واضحاً لهم، يدخل الارتباك إلى تراتبية العلاقات والسلطة وينذر بانهيار التوازنات الهشة في القبيلة. الرق والجواري وملك الأيمان الذي أبقى الاسلام عليه في مراحله الأولى، جاء ضمن عملية الفصل بين السلطة العائلية والقبلية (ثم السياسية) وبين اشباع الرغبات.

السؤال الملح هنا، لماذا الإصرار على اعتبار سلوك المرأة مصدراً للشرف أو العار بعدما باتت اعتبارات النسب غير ذي بال وبعدما بات في الوسع التحكم في الولادات والنسل وضبطهما.

الأرجح أن مثلث "السلطة- الحرية- اللذة" هو ما يحكم هذا التصور. ففي الاعتقاد الراسخ والعميق أن حصول الفرد على اللذة من دون الالتفات إلى ضوابط الجماعة وسلطتها، يعني مباشرة أنه أمسك بحريته واختياره وصار تلقائياً خارج أوامر ونواهي الجماعة. وصار الفرد الحر الذي يريد تحقيق لذته خطراً ماثلاً أمام السلطة القائمة التي تحتكر توزيع اللذة ضمن معاييرها الضامنة لبقائها. والمفارقة التي لا يحب العرب والمسلمون التفكير فيها، أن الحريات الواسعة في الغرب والتي تلامس التفلت، ليست دليل انحلال هذه المجتمعات والدول كما يقول الخطاب العربي المحافظ، بل على العكس، هي دليل الثقة الكبيرة التي تبديها السلطة بنفسها وتسمح بموجبها للأفراد بممارسة ما شاءوا من افعال ما داموا لا يهددون النظام القائم.

وليست فكرة جديدة تلك القائلة أن الحريات الفردية سارت جنباً إلى جنب مع تكريس النظام الرأسمالي في الاقتصاد والاجتماع والسياسة في الغرب. فالحرية الفردية (واللذة المرتبطة بها) لا تهدد النظام، على عكس أنظمة السلطة القائمة حتى اليوم على العصبية والسيطرة البطريركية -الأبوية.

عليه، يبدو مفهوماً سبب تركيز عمليات الاسترقاق على الطائفة الإيزيدية، بحسب مقال "دابق" المذكور وبحسب تقارير المنظمات الحقوقية. ذلك أن الإيزيدين يخرقون، بمجرد وجودهم النابذ لكل التنميطات الاجتماعية والدينية، كل ما ترتكز عليه صورة "داعش" عن العالم. ولا حل - من وجهة النظر الداعشية- للتحدي هذا غير باللجوء إلى أقسى درجات الإخضاع والقسر، أي إرغام الإيزيديين على اعتناق الإسلام أو بيع النساء والأطفال كسبايا وجوار وعبيد في الأسواق.

لأن العقل الداعشي عاجز عن تصور، مجرد تصور، للحرية بتعبيريها الفردي مثل المرأة في ريف حماة، والجماعي مثل الإيزيديين.