السبت 25 أكتوبر 2014 / 11:02

المقدسيون يضربون في العصب الحي



قبل وقوع الجريمة المروعة اللاإخلاقية واللاإنسانية واللامنطقية، حين حرق المستوطنون الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حياً، بعد أن ملأوا جسده بالوقود، قبل ذلك وبعده اندلعت انتفاضة وصفت بالخفيفة أو الصامتة داخل مدينة القدس، وها هي الآن تتصاعد بحكم عاملين، واحد اساسي والاخر يولده رد الفعل الاسرائيلي.

الأساسي هو شعور مئات الألوف المقدسيين بخطر دائم يهدد حياتهم بصورة يومية منذ احتلال العام 1967 وحتى يومنا هذا، وما يهدد الحياة هو الاضطهاد الإسرائيلي المنهجي والتخريب المتعمد للنفوس وسلسلة الإجراءات التي لا تتوقف والتي هدفها الأول والأخير تفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتهويد كل معالمها التاريخية والدينية.

وليس بمحض الصدفة ان يكون اكثر من 70% من سكان القدس الفلسطينيين تحت خط الفقر، ذلك أن الاحتلال هو المفاعل النشط لصناعته وفرضه على أناس لو عاشوا حياة طبيعية لصاروا أغنى أغنياء الكون، وإلى جانب هذه النسبة المرتفعة ممن هم تحت خط الفقر، هنالك وبحكم غياب المؤسسات الحرة والوطنية للمدينة، اتساع لكثير من المظاهر السلبية التي أُدخلت على المجتمع الفلسطيني في المدينة المقدسة، مثل تعاطي المخدرات وتراجع جميع الأنشطة المجتمعية على مختلف أنواعها، ناهيك عن تقييد حق البناء والتوسع الطبيعي، إلى جانب أمور اخرى لا يملك الاحتلال غسل يديه منها، والتنصل من مسؤولياته الأساسية عنها .

وإذا كان الأقصى والمخططات اليهودية المتطرفة لزرع مسمار جحا في محيطه وفي قلبه هو العنوان الملهب للمشاعر والملهم للمواجهة، فإن ما يحدث في القدس حالياً هو التحام العنوان مع المضامين الأخرى المحركة للحراك المقدسي الذي لم يبلغ بعد حد الانتفاضة الشاملة، إلا أنه ربما يكون ابعد من منتصف الطريق إلى ذلك .

أما الحكومة الإسرائيلية المرتهنة لأهواء وأجندات اليمين المتشدد والمتخلف، فهي تقوم بصب الزيت على النار حين تطلق العنان لـ "داعش اليهودية" كي تعيث فساداً في كل أمر فلسطيني داخل المدينة، واصفة ما يجري في القدس على أنه شغب صبية يمكن وضع حد له بإغراق المدينة باستيطان جديد وكثيف مع زيادة في عدد رجال الشرطة، وسن المزيد من القوانين العنصرية التي تضغط المقدسيين أكثر وتدفع إلى انفجار حتمي يحذر منه المستنيرون في إسرائيل، والخائفون على غرقها في دوامة لا خروج منها، وهذه المرة ليست في غزة أو نابلس أو الخليل أو رام الله، وإنما في قلب القدس أرض النزاع على هويتها وحاضرها ومستقبلها بين أن تكون عاصمة أبدية لإسرائيل في الشرقية والغربية معا، او ان تكون عاصمة أبدية لفلسطين في الشرقية فقط .


إن الانتفاضة الصغيرة والصامتة في القدس أكبر بكثير من حيث المغزى من الانتفاضات التي حدثت في غزة والضفة، والمسألة هنا لا تقاس بحجم الدمار والدم، فوخز الإبرة في القدس الذي يمس الأعصاب الحساسة لدولة إسرائيل أشد إيلاماً وأعمق تأثيراً من أي تهديد راهن أو مفترض تخافه الدولة العبرية وتتحوط منه وتتسلح في مواجهته، فالقدس المظلومة والمهددة بأهم ما تملك وهي الإنسان والهوية والمقدسات، لن تستكين بفعل أمر واقع الاستيطان أو مضاعفة رجال الشرطة، وإنما يمكن أن تهدأ وتستقر إذا ما عادت لأهلها وتاريخها وهويتها الاصلية، مدينة فلسطينية عاصمة لدولة فلسطينية لا تحدد أي قوة مهما كانت عدد المصلين في اقصاها وقيامتها .

القدس الآن تحك جلدها بظفرها، إلا أن مكانتها في الماضي والحاضر والمستقبل، تحتم على كل صاحب ضمير حي، أن يهب لمشاركتها أعباء المواجهة غير المتكافئة مادياً مع محتليها، وسيان هنا بين الفلسطينيين الذين يقفون في داخلها وعلى تخومها، والعرب الذين يحيطون بها، والمسلمين والمسيحيين في كل أرجاء الكون.