السبت 25 أكتوبر 2014 / 15:45

جمعة سوداء في شبه جزيرة الدم


الهجوم الإرهابي الأخير الذي حصد أرواح أكثر من ثلاثين شهيداً مصرياً في سيناء، يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً في التحذير من عدم التقليل من قوة الفعل الإرهابي على الأرض عندما يكون الإرهاب مستظلاً بالتواطؤ الدولي، والدعم العلني والخفي من دول وكيانات سياسية واقتصادية ترعى هذا التخريب، وتمول سفك الدم العربي على التراب العربي، لتظل إسرائيل آمنة ومستقرة، ولتظل الولايات المتحدة صاحبة اليد الطولى في المنطقة.

كنا نظن أن الهدوء بدأ بالعودة إلى سيناء بعد أن حقق الجيش المصري تقدماً كبيراً في ملاحقة الارهابيين، وضرب أوكارهم وتصفية قياداتهم البارزة، وتحجيم نفوذهم في العريش ورفح ومنطقة شمال سيناء، لكن عملية الجمعة السوداء أكدت أن الحرب لم تنته، وأن الإرهاب المقيم والمستورد يعتبر سيناء ساحة حرب رئيسة يراهن من خلالها على إشغال الداخل المصري وتوجيه رسائل للمحيط العربي وطمأنة إسرائيل.

لا يحتاج الأمر إلى عبقرية في التحليل للاستنتاج بأن الجيش المصري لا يواجه في سيناء مجموعات إرهابية صغيرة، ولو كان الأمر على هذا النحو لتمكن المصريون من اجتثاث الإرهاب في صحرائهم في أقل من أسبوع. لكن ما يجري، في واقع الأمر هو حرب حقيقية تواجه فيها مصر قوى دولية وإقليمية نافذة وقادرة على تصنيع الكيانات الإرهابية وتمكينها من العمل ومدها بالسلاح وبالرجال في أزمان قياسية.

نعترف بداية بأن الضربة أوجعتنا كثيراً، ونقر بالقلق المشروع على أمن مصر واستقرارها، لكننا نثق في قدرة الدولة المصرية على المضي حتى النهاية في هذه الحرب، بوجود إرادة سياسية واضحة لتنظيف سيناء وتطهيرها من المجموعات الإرهابية المرتبطة بالمشروع الأمريكي – الاسرائيلي لترسيخ "الفوضى الخلاقة" في المنطقة العربية، وفي الدول المحورية تحديداً.

ما يعزز هذا التفاؤل بمآلات المواجهة لا ينحصر في وجود القرار السياسي الشجاع، بل يكمن أيضاً في قراءة الموقف الشعبي المصري وحالة الغضب العارم التي تسود في القاهرة وفي المحافظات، والدعوة إلى الرد على الجريمة، والثأر لأرواح شهداء القوات المسلحة بتوجيه ضربات ماحقة للأوكار الإرهابية في العريش وفي غيرها من المدن المبتلاة باختراقات الإرهاب وشعوذات منظريه.

كما أن مصر ليست وحدها في هذه الحرب، ولا نظن الدول العربية الأخرى التي يهددها الإرهاب المدموغ أمريكياً ستترك مصر وحيدة في مواجهة السرطان الأمريكي المستحدث في مرحلة الربيع وما بعد الربيع.

لا نشك في أن الجيش المصري قادر على هزيمة الإرهابيين في سيناء، لكن ما يستدعي الجهد الأكبر هو تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية وإغلاق منافذ تهريب السلاح إلى مصر، والأهم من ذلك دحض الادعاء بالعلاقة بين الإرهاب والجهاد.

تبدو الحرب طويلة تبدأ في ساحة المواجهة في سيناء وتنتهي بحصص التربية والدين في المدارس وفي الجوامع. لكنها حرب لا بد من خوضها، ولا مجال فيها للحياد، حنى لا نكون أمة تنظر بحياد إلى ذاتها وإلى مستقبل أبنائها.

توجعنا الضربة، ونأمل أن توقظ من يتوهمون أن الإرهابيين مواطنون لهم حقوق!