الأربعاء 29 أكتوبر 2014 / 18:40

المجتمعات ذات الاحتياجات الخاصة ... "سيناء" المصرية نموذجاً

يوجد بيننا بشر من ذوي الاحتياجات الخاصة، هم أولئك الذين يعانون إعاقات ذهنية أو نفسية أو جسدية جسيمة، وإذا شددنا الخيط إلى الآخر فسنجد أمامنا "مجتمعات ذات احتياجات خاصة" بفعل الظلم والإقصاء والإهمال والتهميش الطويل والمزمن، سواء كان هذا متعمداً لأسباب عديدة، أو من غير قصد، لكن بفعل تخبط السياسات وغياب عدالة توزيع الاستثمارات وثمار التنمية بشكل عام.

وهذه المجمتمعات مورس ضدها الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لزمن طويل، بحيث تخلفت عن بقية شرائح المجتمع داخل الدولة الواحدة، حيث الحرمان من فرص التمتع بخدمات المرافق الاجتماعية والثقافية والفنية والترويحية وصعوبة الانتقال خارج الأحياء التي تقطنها، والانفصال عن البنية الاقتصادية العامة للمجتمع من زاوية الإنتاج والاستهلاك، وانعدام أو قلة فرص العمل المتاحة، وتضاؤل إمكانية الحصول على القروض والتسهيلات إلى جانب التشرد والافتقار إلى سكن دائم، وقد يترافق هذا مع الإبعاد عن المشاركة في الأنشطة السياسية سواء الانتخابات أم الاجتماعات والمؤتمرات والمسيرات الجماعية، ويزداد الأمر سوءاً إن كان المجتمع نفسه غير ديمقراطي، ليجد أفراد هذا المجتمع المهمش أنفسهم يدورون في دائرة مفرغة، وينعزلون بالتتابع عن التيارات الرئيسية التي تحمل هموم الجماعة الوطنية ومطالبها، وتبلور توقعاتها وتطلعاتها واحتياجاتها.

كثير من هذه المظاهر السلبية تنطبق على سيناء المصرية التي تبلغ مساحتها ما يقرب من مساحتي بلجيكا وهولندا مجتمعتين، وشكلت على مدار التاريخ بوابة أساسية لمصر، من ناحية الشمال الشرقي، ولسكانها خصائص وسمات اجتماعية وثقافية ونفسية مختلفة، وبالتالي يحتاجون، مثل سائر سكان أطراف مصر في الغرب والجنوب، معاملة من السلطة السياسية تراعي تقاليدهم وأعرافهم واحتياجاتهم الخاصة وتعوضهم عن حرمانهم الطويل، جنباً إلى جنب مع أنماط التعامل التي يلقاها المواطنون كافة في شتى أنحاء الدولة، بغض النظر عن الاختلافات الدينية والطبقية والجهوية والعرقية والثقافية والإنتاجية.

فبعد تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي لم يراع نظام مبارك ما تحتاجه، ولم يبذل الجهد المطلوب أو يتخذ التدابير اللازمة في سبيل صهر أهلها ودمجهم في جسد الوطن من دون الإتيان على خصوصياتهم، بل حدث العكس، إذ ترك ملف سيناء لأجهزة الأمن، لاسيما بعد ظهور جماعات دينية متطرفة على رأسها "التوحيد والجهاد" ارتكبت أعمالاً إرهابية في طابا وشرم الشيخ ودهب على التوالي. وتعاملت هذه الأجهزة مع السكان كافة، أو أغلبهم، على أنهم خارجين على القانون إما بالانضمام إلى تنظيمات إرهابية أو ارتكاب جرائم الإتجار بالمخدرات والسلاح وتهريب الأفارقة إلى إسرائيل وتهريب البضائع والوقود إلى غزة عبر الأنفاق.

ولم يكن التحرك السياسي يطبب الجراح الغائرة في نفوس السيناويين والتي صنعها الأمن، بل أخفق بشكل فادح وفاضح في تحقيق هذا، إذ أهملت السلطة شيوخ القبائل وعواقلها من مسموعي الكلمة في مجتمعهم وصاحبي الصيت الطيب والقدرة على التحكم في مقاليد الأمور وراحت تتعامل مع مسئولي "الحزب الوطني" الحاكم من أبناء القبائل، وهؤلاء كانوا غالبا من اختيار أجهزة الأمن، وليس لهم نفوذ بين ذويهم.

وعلى التوازي وضع ملف إعمار سيناء حبيس الأدراج، فلم ينقل إليها من الوادي السكان الكافين لتعميرها وفق المشروع الذي كان مطروحاً في أواخر حكم السادات، ولم تشيد الدولة جامعات لتعليم أبناء القبائل، والجامعة الوحيدة المتواجدة في العريش هي لرجل الأعمال د. حسن راتب، ولم تُقم مصانع عملاقة لاستغلال ثروات سيناء وتشغيل أبنائها، وحتى المنتجعات السياحية التي أقيمت في الجنوب على الشاطيء الشرقي لخليج السويس والغربي لخليج العقبة لم يشغل فيها البدو إلا الأعمال الهامشية مثل السفاري وتأجير المساكن، ولم تبذل الدولة ما عليها من جهد في سبيل تأهليهم لمثل هذه الأعمال، كما لم تتخذ من الإجراءات ما يعزز انصهارهم سواء من خلال الجيش أو المؤسسات البيروقراطية والسياسية والأنشطة الرياضية والثقافية. وفي الوقت ذاته لم يقم المجتمع المدني بما عليه حيال أهالي سيناء، مركزاً جهده في العاصمة وما حولها، ليبقى المجتمع السيناوي على حاله، ذو احتياجات خاصة.