المؤلفة الأرجنتينية آنا ماريا شوا
المؤلفة الأرجنتينية آنا ماريا شوا
الأربعاء 29 أكتوبر 2014 / 19:49

آنا ماريا شوا: ستظل الحكايات ضرورية للأبد

24 - إعداد: أحمد ضيف

تمثّل آنا ماريا شوا (بوينوس أيرس، 1951) واحدة من أبرز الأصوات السردية المعاصرة في الأرجنتين، سواءً في الرواية أو القصة القصيرة أو الميكرو قصة، وهي ابنة مخلصة لمدرسة خوليو كورتاثر وخورخي لويس بورخس، لكن على طريقتها وأسلوبها الخاص.

آنا: السعادة مضبوطة ليس لها تطور في الزمن مع السعادة يمكن بناء قصيدة جميلة لكن في القصة يجب أن يحدث شيء سيئ

تقول عن نفسها إنها تحب الضحك بصوت عالٍ، وتتحدث عن الأدب كما تتحدث صديقاتها عن الفواكه ومرور الزمن، والمسائل العائلية والعلاقات العاطفية والجغرافيات العزيزة، بمعنى أنها تتحدث عن الأدب بكل طبيعية، بطبيعية من يستمتع بالخيال كإحدى المتع اليومية الكبيرة، وباقتناع بأن الكتب التي تُقرأ غذاء أساسي، وبأن القصص التي تُكتب هي الطريقة الأجمل لملء الفراغات وعبث الحياة الذي يصير أحياناً كوميدياً.

موقع las lecturas sumergidas الثقافي الإسباني أجرى معها حواراً حول أعمالها، التي تعتبر كوكتيلاً متنوعاً من المذاقات والمشاعر التي يجب أن نتجرأ ونجربها، وتبرهن على أن الكاتبة الأرجنتينية ليست فقط مايسترو في الميكرو قصة، بل أيضاً صانعة حكايات مثيرة للتوتر والاضطراب.

*نبدأ بالحديث عن التعقيد الذي يثيره بعض قصصك، خاصة تلك التي تتناول خبرات يومية، مثل "مثل أم طيبة"، أي أم تلك التي لا تشعر ذات مرة أنها مخطئة في تعاملها مع أبنائها؟ أي أم أو أب لا يشعر بالخوف أمام الأخطار التي يمكن أن تقابلهم؟ الانطباع الذي نأخذه في كثير من قصصك أنها تتقاسم مع القاريء الخبرات المعاشة، المواقف المنزلية، العادات، لكن في أقصى صورها الممكنة.
- نعم، هذه حقيقة. في الواقع، عندما كتبت هذه القصة كان لدي بنتان ولم أكن أفكر أنني سأنجب ابناً ثالثاً كما حدث في السرد، ما المادة الخام التي نستخرج منها ما نحكيه؟ لدي شعور بأنه ما من شيء مثير للاهتمام مثل التفاصيل اليومية، أو بعض الشرود، أو ربما العكس تماماً، ربما يكمن الفن في الغريب والعبثي وما يثير الخوف. كل يوم يمر تظهر أشياء غير متوقعة، مواقف بالإنذار، نتصنع أنها محض أوهام لنستطيع مواصلة الحياة والاستمرار في عمل خطط للمستقبل، لكن هذا ما يحدث: نموت.

إنها إنذارات لما يطل علينا بخفوت من بين العادي، من بين الأكثر يومية، وهذا تحديداً ما يروق لي أن أحكيه.

*عندما نتقدم في قراءتك، نجد أنفسنا أمام الخوف من الفقد، فقد أشخاص مقربين، أعزاء، وبجانب ذلك، المرض والموت.. من جديد، نشعر أنك تتكلمين عن أشياء قريبة جداً.
-نعم، هذه الموضوعات حاضرة جداً في كتابتي.

ثمة قصة تمثل جزءاً من سيرتي الذاتية، وهي "أيام صيد السمك". القصة لها علاقة بموت أبي، وربما تكون أكثر ما كتبت شخصية، وأكثرها ألماً أيضاً.

ثمة قصة أخرى قريبة مني، عنوانها "عبر فخ"، التي تقمصت فيها تشخصية أخي الذي تعرض لعملية في الأنف، فعشت هذه التجربة، بما فيها من تواطؤ.

*هل تعتقدين أن السعادة لا يمكن أن تقيم قصة خيالية؟ في أحيان كثيرة، تبدأ حكاياتك بطريقة ممتعة جداً، مضيئة جداً، لكن ثمة شيء يلويها ويسوقها نحو الظلام.
-نعم، أنا مقتنعة بأنه لا يمكن الكتابة من منطقة السعادة، فلا أجدها منطقة سردية، السعادة مضبوطة، ليس لها تطور في الزمن، مع السعادة يمكن بناء قصيدة جميلة، لكن في القصة يجب أن يحدث شيء سيئ، لو لم يكن الأمر كذلك، لبقينا بلا قصة.

* النزق والرقة عنصران آخران متناقضان في سرديات آنا ماريا شوا، مثال ذلك البارز قصة "جلسة التناولات"، فمن اللافت أن تكون العلاقة الزوجية المتميزة بالشبق في لعبتها، شديدة الرقة مع الطفلة الجريحة.
-الأمر دائماً هكذا، إنها المفارقة التي تحلو لي، هذا ما يهمني حقيقةً في الأدب: أن تضغط بقوة، وأن تكون ناعماً في نفس الوقت، لكن ليس لدرجة أن نخنق القاريء، فنحن نريده أن يشتري كتبنا.

*آباؤك الأرجنتينيون هما بورخس وبيوي كاسارس. أيهما تختارين؟
- بورخس بالطبع، بورخس في قمة السماء، بينما كاسارس كان كاتباً جيداً، بورخس كان عبقرياً فوق العادة.

* ما الذي يجب أن يتناوله أدب اليوم؟
-ما يجب أن يتناوله الأدب دائماً: أشياء قليلة وضرورية جداً، ما الذي يجعلنا بشراً؟ ما يجعلنا بشراً هو ما يدفعنا للحاجة للبقاء أولاً مثل أي حيوان: الأكل، الشرب، النوم، الدفء، الحماية.

لكننا في الحقيقة نحتاج إلى أشياء أخرى: الموسيقى، الفن، السرد، هذا ما يجعلنا نشعر حقيقًة بآدميتنا.

الواقع أن الأدب يفقد أرضاً أمام الدراما المرئية، لا أعرف ما يمكن أن يحدث في المستقبل، لا أعرف إن كان الأدب سيستمر كما نعرفه الآن، ربما يحل محله أنواع تعبيرية أخرى، مع ذلك ستظل الحكايات ضرورية للأبد، لا أعرف إن كان الحرف المكتوب سيبقى، لكن، بلا شك، سيبقى الخيال السردي.