الخميس 30 أكتوبر 2014 / 21:30

الترجمة في لغة الربيع



1-
قبل ثلاث سنوات، وفي أوج الفرح والزهو بالانتصار في أوّل انتخابات، بعد هروب بن علي سنة 2011, نطق راشد الغنوشي زعيم الإخوان المسلمين بتونس، وكان في قمة الزهو، وقال مطمئناً أنصاره وَمُربِكًا أعداءه :نحن باقون في الحكم لمدة ثلاثين سنة

-بقي ثلاث سنوات وهذا هو العُشُر

-لا بل أقلّ، فكثرة الأخطاء المتنوعة وضعف الأداء السياسيّ والبرلمانيّ والإداريّ والأمنيّ، قد ضاعف في مدة حكم النهضة التي انتهت إلى التسليم بالفشل .

- كانت المدة القصيرة كافية لتقديم دمارات لم يعرفها الشعب التونسي، قوامها مضاعفة عدد البطالين والإنكار والتكفير، فقد كان راشد الغنوشي يقسم المجتمع إلى مسلمين وكفّار. وتساهلت حركته الإخوانية مع أهل الكهف والعنف، ونصحهم بالتريّث، وفق "نظرية التدافع" فالوقت لم يحنْ بعدُ للانقضاض التامّ على المجتمع، وسمح لهم بالقيام بتدريباتهم التي يسمّيها تمارين رياضية، ورآها المجتمع إرهاباً وعذاباً، انتهت بإنتاج العديد من الأرامل والأيتام والثكالى بعد قتل وذبح الجنود ورجال الأمن واغتيالات سياسية، واجتهادات فقهية أشهرها جهاد النكاح.

2-
- احتلّ الإخوان (حزب حركة النهضة) المرتبة الأولى في انتخابات تونس الأولى 23 أكتوبر2011، واحتلّوا المرتبة الثانية في انتخابات تونس الثانية في 26 أكتوبر 2014

- وماذا أيضاً؟ لا تقل لي: وتأسيساً عليه، فإنّ الإخوان المسلمين في تونس سيفوزون بالمرتبة الثالثة في الانتخابات الثالثة القادمة سنة 2019، وفي الرابعة سنة 2024 يفوزون بالمرتبة الرابعة .

- وربما تحالفوا مع اليسار المتطرّف.

3-
خلال ساعات، وقبل أن تفوح الصناديق برائحة غير إخوانية (تماماً) تشمّمتْها حركة النهضة، فسارع زعيمُها راشد الغنوشي إلى استيعاب الهزيمة وتطويقها وترجمتها فوريّاً إلى تفوّق وانتصار، وتحويلها إلى حساب الحزب الذي كان أغلبيّاً في البرلمان وفي حياة الدولة ومفاصلها الرئيسة ومؤسساتها، وتمّ كلّ ذلك بالمنطق الآتي :"لولم نحقن الدماء، ولو لم ندعُ إلى التوافق، ولو لم تتنازل النهضة عن السلطة لصالح تونس، ولو مارست الإقصاء، ولو أننا لم ننسحب من الحكم، لحدث لتونس ما حدث في مصر".

- ولقد حدث للإخوان المسلمين التونسيين، ما حدث للإخوان المسلمين في مصر .

- كيف ؟

- بأسلوب تونسي، حيث تقلّب الاخوان في الكراسي حتى انقلبت عليهم وجرّوا المآسي .

- هكذا كانت النهضة وفيّة للتقاليد العربية في ترجمة التراجع إلى تفوّق والهزيمة إلى انتصار.

4-
-لقد ترجمت النهضة وصولها إلى المرتبة الثانية بالنصر: انتصرت النهضة، وصارت أخلاقها لا عربية، ولكن أوروبية وغربية ومؤمنة بالتداول على السلطة :هكذا بادر راشد الغنوشي بتهنئة الباجي قائد السبسي.

- وهذه التهنئة لا بدّ أن تذكّرنا بأخلاق الفرسان المموٌهة والمزعومة التي تمارسها النهضة.

ها هي تهنئ الفريق الذي انتصر، الممثل في شخص الباجي، وهي تمارس هذا نفاقاً واتفاقاً، بعد أن شعرت بالتراجع .

- عندما كانت في سكرة النصر في انتخابات 2011, كانت عين النهضة نائمة وترى في "الباجي" شخصاً غير مرغوب فيه.

السؤال هو: عندما كان الباجي يقود حكومة بعد هروب بن علي، من أجل انتخابات أوصلت النهضة إلى الحكم. أين كانت هذه الأخلاق الحضارية؟

- وعندما وصل الإخوان إلى السلطة، كانوا يريدون مسح تاريخ تونس القريب، ويرغبون في أن يدخلوها إلى الاسلام من جديد، وينعتون حزب "نداء تونس" برئاسة الباجي بأنه أخطر من السلفيين الذين قال عنهم راشد الغنوشي: "إنّهم أبناؤنا"، ويذكرونه بشبابه.!! أليس هذا تناقضاً أخلاقياً؟

- المنتصرون لا أخلاق لهم، ولكنهم قد يُصابون بمكارم الأخلاق إذا انهزموا أو فُرَض عليهم الإذلال؟

5-
-حركة الإخوان المسلمين ذات توابل تونسية، اضطرّتْ، وهي تواجه المدّ الحداثي والوطني، إلى تعديل كلامها بما يلائم الوضع الجديد.

- بل إنّ الغنوشي قد سمح أخيراً للسانه بالترحّم على الحبيب بورقيبة، ولكن الأكيد أنّه يحفظ بيتاً من الشعر قاله الشاعر أحمد اللغماني في الحبيب بورقيبة وغنّتْه المطربة التونسية المعروفة "نعمة" والبيت يقول
"قَدَرُ السياسةِ أنْ تَروغَ مع الرياحِ".

6
- أتصوّر الإخوان المسلمين النهضويين يتحدثون فيما بينهم، ويقول بعضهم لبعض سرّاً أوْ جهراً: "سبق لراشد العنوشي أن قال فور الانتصار الانتخابي لسنة 2011: "كنا نحلم بدكّان نعرض فيه بضاعتنا، فأعطانا الله السوق كلّه"، وكانت الدنيا تضحك والإخوان في مصر يتقدمون ، ثمّ صار الوضع الاقتصادي منهاراً وضاغطًاً، والوضع الدولي غير مساعد، والجيران لا يبشرون بخير، والرياح في ليبيا غير مؤاتية، والإخوان في مصر لم يكونوا قادرين ولا مدرّبين على الركوع مثلنا، حيث لا بدّ من الانحناء في لحظة العاصفة، ولو أدّى ذلك إلى خلق سوء تفاهم مع القواعد الإخوانية في تونس والعالم، أرضيْنا ورضي عنّا "فهمي هويدي" وأغضبْنا وكلبنا علينا "وجدي غنيم" كم أحببنا أن نكون بشارة الربيع التي لا تخيب، وما نفعله الآن هو معاندة المثل الفرنسي الذي يقول: طائر خطّاف واحد لا يصنع الربيع، ونحن نسعى إلى صناعة الربيع، وحدنا، وبمفردنا.

7-
- والنهضة تدين الإرهاب.

- لكن.. تتمنّع من الانخراط في الحرب العالمية ضد الإرهاب.

- وهذه فكاهةٌ أخرى كلّها جدّ.

- وَالغنوشي لا يرى مانعاً في أن يفتح ذراعيْ تونس لاستقبال المطرودين من الإخوان اللاجئين من مختلف أنحاء العالم.

- وما الجديد في قادم الأيام؟

- لا خير من طرفة وهو يقول في ختام المعلقة :

سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً

ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـزَوِّدِ

وَيَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَـهُ

بَتَـاتاً وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِـدِ.