الخميس 30 أكتوبر 2014 / 21:37

تمارين على نشيد الانقلاب القادم



يصعب اعتبار ما جرى بين فتح وحماس من اتفاقات وتفاهمات وحوار، وهذا يشمل دون شك حفلات التقاط الصور والعناقات المؤثرة بين الفصيلين والقبل التي تبادلها المتفاوضون كترجمة أمينة لمحتوى الملفات، بما فيها الملف الأمني وملف المرتبات الغريب، والاستقبال الاستثنائي لوفد "وزارة التوافق"، تحديداً تلك الصورة الملتقطة للوزراء في منزل رئيس الوزراء المقال، الشيخ هنية، والضجة التي أثارها حجاب وزيرة السياحة في حضرته، يصعب التعامل معه خارج كونه شأناً داخلياً يخص الفصيلين المذكورين، أو أطرافاً منهما، ولا ينبغي اعتباره أكثر من "مصالحة" فصائلية غير نهائية، وتفتقر بشكل كليّ إلى حسن النية.

رغم المحاولات الدؤوبة التي يبذلها إعلام الفصيلين، والجهد المبذول لتدوير هذه "المصالحة" وتقديمها بصفتها شيئاً أكثر أهمية مما هي عليه، أو انتشالها من زاويتها الضيقة الزلقة وزجها في المشروع الوطني على أنها "وحدة" أو "استعادة الوحدة" أو "إنهاء الانقسام"، إلى آخر هذه المصطلحات التي تذكر بمصطلحات قديمة وتبني عليها.

من يتذكر "الانقلاب" و"الحسم العسكري"، من يتذكر "القوة التنفيذية" وحملة "الاغتيالات" وقتل الأطفال على أبواب مدارسهم.

الخلط بين المصطلحين ودلالاتهما وبين المطلوب وطنياً في حده الأدنى، يبدو مقصوداً هنا، "الوحدة" التي يفكر بها الناس ليست "المصالحة" المشوشة التي يجري الحديث عنها الآن. ببساطة هذه ليست البضاعة.

ما يجري في أحد مستوياته، "المصالحة" في نسختها الحالية وفي إخراجها الحالي، هو شرعنة الهروب من مسؤولية ما حدث في صيف 2006 ما سبقه وما تلاه وما أدى إليه.

" الوحدة" في إحدى تجلياتها هي "نفل" هذه "العدة" المستهلكة بمسمياتها ورموزها والإضافات التي نمت مثل الفطر السام في المشروع الوطني، وتسلطت على حياة الناس وأفكارهم وتحركهم، هي بنفس البساطة البناء على رغبة الناس وحاجاتهم عبر عملية ديمقراطية واضحة ونزيهة وتحت إشراف نزيه.

أما تأليف "مصالحة" مؤقتة للاستخدام لمرة واحدة بنفس أدوات الانقسام ولغته وثقافته وإطلاق اسم "وحدة" على هذه الحيلة، فهو لن يقود إلا إلى العتمة والفوضى ودوامة عبث جديدة.

الأمر، بقليل من التأمل، بالنسبة لفتح هو محاولة، تبدو بالغة الصعوبة، لترميم إطارها التنظيمي على أبواب مؤتمرها القادم، واستعادة ثقة تنظيم غزة التي ابتعدت كثيراً عن الضفة الغربية عبر سنوات سبع من الافتقاد للغة أغلقت خلالها قنوات الاتصال مع قواعد الحركة في القطاع، سبع سنوات كانت كافية أيضاً لنضوج جيل جديد من الشباب ينظر بحذر إلى قيادة متخبطة وضعيفة تركته وحيداً وأعزل في مواجهة بطش حماس وجرافة الإخوان المسلمين.

أما بالنسبة لحماس فهو مقطع من المحاولة المتواصلة لترميم "الانقلاب" واستعادة حضوره ومعالجة قبضته التي بدأت طاعة الناس وصمتهم على بطشه تتسرب من بين أصابعها، وهو استمرار تفاوضي لعملية التجديد التي حاولت أن تنجزها احتفالات "النصر" وخطابه وفتح أبواب التجنيد في صفوف الجناح العسكري الذي ترافق بالضبط مع وصول أعضاء ورئيس وزارة الوفاق إلى القطاع.

حماس، التي انتهت صلاحية نوابها وشرعيتها الانتخابية على المستويين، الوطني حين قامت بانقلابها في غزة وعطلت الدستور والمؤسسات الشرعية ودمرت المشروع الديمقراطي الذي جاء بها، وفككت النسيج الاجتماعي وسعت إلى "أخونة" غزة كاملة ووضعها ضمن أملاك الجماعة كمستشفى ميداني خلفي أو غنيمة وفناء خلفي للتخزين والدعم.

استنفدت حماس شرعيتها على مستوى التكليف الشعبي، وهذا ينطبق على الرئاسة أيضاً، منذ سنوات ولم يعد معترفاً بولايتها إلا من نوابها أنفسهم، الذين يواصلون التهام الامتيازات الخاصة بـ "ممثلي الشعب" دون أن يتوقفوا عن التهديد بتخريب "الوحدة" إذا لم تصرف السلطة في رام الله مرتبات الموظفين الذين وظفتهم حكومة الانقلاب في غزة، نفس النواب الذين وقفوا خلف الانقلاب وبرروا الدم ورددوا في جوقة واحدة فتاوى القرضاوي بحرص واضح على تنفيذها بإبداع، كما يفعلون الآن، بما يشبه لازمة لنشيد الانقلاب.

حماس التي تتصرف على أنها ذراع الإخوان المسلمين المسلح، ترفض أن تكون غير ذلك وترهن إرادتها كاملة لحاجات "الجماعة" ومخططاتها دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية الفلسطينية، ما زالت بعد المصالحة، وبواسطتها هذه المرة، تتحكم بمصائر الناس في غزة، وتستدرج خصومات الإخوان وأخطائهم المتفاقمة، وتمثل مصالحهم وترتبط بمخططهم في المنطقة وتحالفاتهم في الإقليم، لن تكون قادرة ضمن هذا الخيار على تلبية المصالح الوطنية الفلسطينية أو أن تكون جزءاً من النسيج الوطني، حتى وهي تواصل وضع "انتصارها" على الطاولة، مع تلميحات حول صفقات قادمة تشمل تبادل الأسرى، قد تكون صحيحة، ولكنها تأخذ هنا شكل مقايضة شعبها وابتزاز ألمه.

بدون أن تتخذ حماس موقفاً واضحاً، خارج البلاغة والعبث والتحايل وشراء الوقت، وتقديم نفسها كفصيل فلسطيني مستقل يمثل مصالح الشعب الفلسطيني وأحلامه، وفي سياق تحالف عريض يضع المصلحة الوطنية أمام بقية المصالح الفصائلية، بدون هذا الموقف سيكون من العبث الحديث عن شراكة وطنية أو عن الوحدة، ويمكن لها الاكتفاء بـ "المصالحة" مع فتح، ولكن لا يحق لها تحميل فلسطين عبء الشراكة مع "الإخوان المسلمين" وطموحاتهم في المنطقة.

ولأنها ليست كذلك، يمكن لنا أن نستمع بين وقت وآخر، دون أن ندعي الصدمة، إلى التدريبات القديمة، التي يبعثها حنين مضمر ومعلن للكثير من رموز الحركة، وهم يرددون بوعي أو بدون وعي "نشيد الانقلاب" القادم.