الخميس 28 مارس 2013 / 20:35

معاهدة صلح مع الرادار

من منا لم يضطر يوماً أن يركب بساط السرعة ليصل لوجهة ما؟ ومن منا لم يشعر بظمأ الحاجة للسرعة في وقت أو ظرف ما؟، ومن منا لم يتعرض يوماً لنوبة سخط ألقى فيها اللوم على الرادار؟.

ربما بعضنا فعل، لكن السؤال الأهم هو: من منا لم يسمع عن حوادث السير؟ والأرواح التي تُخطف هكذا في لمح البصر؟ ومن منا لم يعرف شخصياً أحد هؤلاء، والذين حتماً تركوا في دواخلنا مرارة الفراق وفجيعة الرحيل؟ 

الجواب هو: "الجميع طبعاً"، فسواء كان الشخص مقرباً إلينا أم لا، فإن الحزن سوف يسربل ملامحنا لا محالة، فحتى الغريب نشعر بغصة لخبر وفاته.

العجيب أننا عندما نمرض ترانا نهرول إلى الطبيب مسرعين راكضين خلف العلاج بكل عزم، إصراراً للخلاص من علامات وعوارض المرض، ومهما كان طعم الدواء مراً، ومهما كانت أساليب الطبيب مؤلمة أو قاسية نوعاً ما، كالامتناع عن بعض الأطعمة أو المشروبات المحببة إلى قلوبنا، أو كالخضوع للعمليات الجراحية والتي قد تصل إلى البتر أحياناً، تجدنا نخضع لنصائحه ونقوم بجميع توجيهاته للحصول على مبتغانا، بل تجدنا نشكره بكل حب وتقدير وامتنان، على كل ما يقوم به من أجل صحتنا وسلامتنا، كما أننا نتبع نصائحه العامة بكل حذافيرها لنا في الوقاية من الأمراض ودون تذمر، وفي حال عدم انصياعنا لتلك التوجيهات الطبية نلقي باللوم على أنفسنا لعدم قدرتنا على اتباعها كما يجب.

لكن البعض منا للأسف لا ينظر إلى الرادار بنفس النظرة المعززة والكريمة والدالة على التقدير والاحترام!

ذلك الجهاز، الرادار،  الساهر ليلاً نهاراً على حماية أرواحنا وأرواح الجميع دون كلل أو ملل، بينما يظل البعض متجاهلين الكم المتزايد في الحوادث، التي كانت تحاصرنا أخبارها كشر مستطير، وعدد الوفيات التي ساهم الرادار في منع حدوثها "بأمر الله".

بالرغم من وجه التشابه الكبير بين الطبيب والرادار في عدة مناظرات كالمساهمة في إنقاذ الأرواح من موت محقق، وفي الوقاية من الخسائر البشرية والنفسية والجسدية المترتبة على إهمال التوجيهات المطلوبة، وأيضاً في تحديد معايير الرسوم المالية مقدّرةً بحسب نوع ودرجة الحالة، إلا أن ردود الأفعال والانطباع العام يختلف بشكل كبير بينهما، رغم الشبه في واقع الأمر.

هل يمكن أن تكون النفس البشرية هي السبب الرئيسي في ذلك؟!، هي ربما لا تأبه بالعواقب المترتبة على ما تقوم به من أذى، إلا كلما شعرت بالألم بنفسها، فتجدها تهرع للتخفيف أو للتخلص منه تماماً، بينما في حالة الرادار فقد تجدها تتخاذل وتتهاون في الانصياع للتعاليم اللازمة لتخالف دون الشعور بعواقب ذلك الإهمال سواء كان مقصوداً أم لا.

بل ومن سخرية النفس "الأمارة بالسوء"، أن يزداد إحساسها بالامتعاض والحنق كلما ابتسم لها القدر ونجت من تلك العواقب الوخيمة ولم تصب بأي أذى، ليتبقى فقط على عاتقها ما ترتب عليها من دفع رسوم المخالفات والتي كانت من الأساس قد وضعت لحمايتها ووقايتها من الأذى، بينما نجد الحسرة والندم والألم المرير، سواء كان للنفس المخالفة ذاتها أم لغيرها أم لجميع من يهتم لها ومن يحيط بها في حال أن كشر القدر لها عن أنيابه وشرع يطبق عليها قاعدة الجرة، فـ"مب كل مرة تسلم الجرة"، لتجد أن لا نفع لـ"الندامة" حينها أبداً.

لذلك أرى أن تلك العلاقة بين النظرة العدائية التهكمية من السائق المخالف للرادار المعالج ما هي إلا علاقة متناسبة تناسباً عكسياً مع القدر والواقع، ففي حال ابتسم القدر للسائق المخالف ونجا من براثنه، يكون الحنق هو انعكاس مرآة العين في وجه الرادار، والعكس صحيح، فهل يعقل أن نجعل من أنفسنا أضحوكة للقدر متجاهلين قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، أم أن نصبح مقامرين من الدرجة الأولى، لنعابث الحظ ونقايضه بأرواحنا وأرواح غيرنا بدون حق.

إنني اليوم أدعو إلى عقد معاهدة صلح بيننا وبين الرادار، بل وأطالب بتشديد العقوبة على كل من يتهاون في المقامرة بأرواح البشر والحيوانات والممتلكات العامة والخاصة، فربما يستطيع الرادار أن يوقظ في البعض منا ذلك الحس بالمسؤولية تجاه الذات والغير، قبل أن توقظه صفعة القدر التي لا خط رجعة بعدها.