السبت 22 نوفمبر 2014 / 18:58

إنهم يفجرون الانتفاضة الثالثة



ما يجري في القدس ليس مقدمات لحرب دينية، وإن كانت إسرائيل تريد تسويق هذا الانطباع لخدمة مشروع يهودية دولة الاحتلال، وبحسب علمنا فإن من خططوا ونفذوا عملية الهجوم على الكنيس اليهودي "هارنوف" في القدس المحتلة ليسوا سلفيين ولا "جهاديين" بل إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم هي فصيل محسوب على اليسار الفلسطيني ويعتز أعضاؤه وقادته بماركسيتهم الملتزمة.

وما سبق هذه العملية وما يمكن أن يلحقها من عمليات فلسطينية يجيء في سياق تصعيد إجباري تفرضه على الفلسطينيين إجراءات واستفزازات اسرائيلية متواصلة في مشروع الاستيطان والتهويد، ومواقف أمريكية تجاوزت في انحيازها للاحتلال حدود الاحتمال، وتجاهل وعجز رسمي عربي عن الخروج من حصار التبعية للموقف الأمريكي، صراحة أو مواربة، وجنون تاريخي يحرق الأرض العربية ويلوثها بجرائم وحماقات ترفع شعار الدين وجماعات إرهابية تختلف في تسمياتها وفي أساليب عملها وفي تحديد أهدافها لكنها تتفق على حرف بوصلة الصراع وتدير ظهرها لفلسطين.

ويبدو وكأن العالم كله يدفع الفلسطينيين إلى انتفاضة جديدة ويحثهم على تسريع خطاهم لتفجيرها، فاسرائيل التي أساءت قراءة المشهد الاقليمي تعتقد أن في الواقع العربي الراهن فرصة فريدة لإحراق المراحل وتتويج مشروعها الاستيطاني والتهويدي باجراءات واسعة تشمل البناء في القدس وهدم المسجد الأقصى لإظهار الهيكل المزعوم. والنظام العربي المشغول في الدفاع عن بقائه في مواجهة مجاميع إرهابية ظهرت في المنطقة كالنبت الشيطاني تعتقد أن تجميد الملف الفلسطيني ممكن ومبرر ويضمن رضى واشنطن وتجنب غضبتها، والولايات المتحدة التي تدير حرًبا كونية – يراد لها ألا تكون حاسمة – ضد تنظيم "داعش" تعتقد أن الظرف الإقليمي يسمح بالاستمرار بمباركة الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، والمعتوهون المنضوون في عضوية التنظيمات الارهابية يعتقدون أن الله لم يأمر بمقاتلة اليهود ولذلك فإن الجهاد لتحرير فلسطين لا هو فرض عين ولا فرض كفاية، لأن هناك جهاداً مقدساً ضد مدارس الأطفال في المدن العربية.. وهناك جهاد نكاح وجهاد نفط مسروق وجهاد ضد "الصليبيين" لا يترك الوقت لمقارعة اليهود.

العالم كله، ينشغل بمخرجات ما يسمى "الربيع العربي" ويراهن على خريف فلسطيني طويل، لذلك ينفعل العالم كله في إدانته لعملية فلسطينية يقتل فيها حاخامات من حركة "شاس" العنصرية الاسرائيلية.

أما الفلسطينيون فإنهم يرون ما يجري ويرصدون ردود الفعل ويتجرعون مرارة الرهانات الخائبة منذ عقود، ولا يتغيرون رغم تغير ظروفهم. وما تزال خياراتهم الحقيقية في نطاق جغرافيا الوطن المحتل رغم وجود أجندتين خارجيتين لدى سلطتين تدعيان التمثيل الفلسطيني في الضفة وغزة. فسلطة رام الله تعد نفسها جزءاً من النظام العربي ومن المعسكر التقليدي في الرسمية وهي تعمل على هذا الأساس فتدين عملية "هارنوف" غير آبهة حتى بالمزاج الشعبي، حالها في ذلك حال النظم العربية الحاكمة في دول الجوار وعلى امتداد خارطة الوطن الكبير الذي يقال لنا إنه "مستقل". والسلطة الحاكمة في غزة تصمت ولا تدين العملية لكنها تستخدم كل ما أوتيت من قوة قمع وإرهاب لمنع التحرش بإسرائيل.

العالم كله يدفع الفلسطينيين الآن إلى الانتفاضة الثالثة، رغم أن لا أحداً يريد انفجارها. وما يجري لا يمكن قراءته إلا باعتباره مقدمات عملية لانتفاضة عارمة، لن تأخذ شكل الحرب الدينية لكنها قد تكون الوسيلة الوحيدة لإعادة الواقع الفلسطيني والعربي إلى طبيعته.