الأحد 23 نوفمبر 2014 / 12:22

ميليشيات داعش الإلكترونية



من يبحر في الفضاء الإلكتروني يستغرب المساحة الكبيرة التي يحتلها تنظيم داعش الإرهابي، لكن هل يمكن أن يكون في هذا الحضور خفايا لا نعلمها، وهل يمكن أن يروّج أي شخص لتنظيم داعش دون أن يعلم أنه يفعل ذلك؟

يقول برنارد كريك الخبير الأمني الأمريكي إن "داعش لديه أحد أفضل أنظمة الاتصال والتواصل الاجتماعي". لقد استغل التنظيم ما وفرته التقنيات الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج المتصلة بها كي يبث سمومه، وذلك من خلال خطة إعلامية متطورة ومتنوعة، ومرنة تتفاعل مع مختلف الظروف، وتسير في عدة مسارات وفق أهداف واضحة للتنظيم، ومنها ما يتعلق بخلق هالة إعلامية حول ما يسمى الخلافة الإسلامية التي يزعم التنظيم أنه أقامها، خاصة هالة سحرية حول شخصية أميرها أبو بكر البغدادي.

وتركز وسائل التواصل الاجتماعي في داعش على أمر أساسي، ألا وهو تجنيد  الأشخاص وخاصة من الأطفال والشباب والنساء، ومن ثم تسهيل سفرهم إلى سوريا للمشاركة في القتال، مع التركيز على استغلال صور أطفال سوريا ممن قتلوا أو صاروا لاجئين، لاستثارة عواطف الناس، مما يعني أن الانضمام للتنظيم هو لتحقيق أهداف إنسانية لإنقاذ هؤلاء، وغيرها من أسباب يختلقها التنظيم ليساير أهواء بعض الأشخاص وينجح في تجنيدهم، أو من خلال بث الأفلام التي تنحر فيها رقاب الغربيين من أجل تخويف العالم وإرهابهم، فمن لن يتعاطف معهم منجذباً لأوهامهم باسم الإنسانية فإنهم يسعون إلى ترويعه وإخافته.

ويعمد التنظيم لنشر أفكاره من خلال مؤسسات إعلامية متخصصة ومن خلال عشرات الحسابات على التواصل الاجتماعي، بعضها تحت أسماء نسائية وصور فتيات جميلات لاصطياد الشباب، إضافة إلى برامج كثيرة، بعضها يرسل للأشخاص فيقوم البرنامج بنفسه بإعادة إرسال التغريدة أو الرسالة لكل المتابعين لهم، ويستمر في العمل بالوتيرة نفسها ليصل إلى الآلاف خلال ثوان معدودة، أو من خلال برنامج إضافة إعجاب للحساب ليحصل الشخص على مئات من رسائل الإعجاب في مقابل أن يرسل إعجابه لمواقع كثيرة منها تلك التي تدعم التنظيم. 

وبعد هذا هل يمكن محاربة التنظيم إلكترونياً؟ ولعل الأهم من هذا السؤال هو كيف يحارب إلكترونياً؟ هل تغلق مواقعه والمواقع الداعمة له؟ أم الأفضل أن تبقى متاحة ومراقبة  بدلاً من أن تختبيء تحت مظلة مواقع الرياضة والأزياء والطبخ وألعاب الأطفال؟ مما سيتسبب بالتحاق الكثيرين به دون معرفة بأهداف التنظيم.

إن محاربة تنظيم داعش من خلال محاربة أفكاره وتنبيه الناس لها، وما تحمله من تهديد للهوية الوطنية لكل بلد، وما يعمل عليه من خلخلة القيم الثابتة والمبادئ المعروفة، التي يؤمن بها معظم الناس، ومن خلال تعزيز الهوية الذاتية للشخص، وربطها بالهوية الوطنية داخل البلد الواحد. ليعرف كل شخص من هو، وماذا يريد في هذه الحياة، وكيف يناقش ويحاور، لا أن يصبح كيساً يحشوه داعش بالأفكار، وحتى لا يستغل التنظيم الفروقات الدينية والعرقية للتفريق بين أبناء البلد الواحد.

ولهذا لابد من التوعية الإلكترونية ليس بخطورة تنظيم داعش فحسب، وإنما يتسع لأية أفكار متطرفة، وكيف يتعامل الشخص معها حين يحاصره الآخرون بأفكارهم؟  من خلال الميليشيات الالكترونية، وإلى من يلجأ؟ ولابد أن تكون الأسرة واعية بذلك لتكون صمام الأمان لأفرادها.

وللمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام دور فاعل، لأن هذا ليس واجب الحكومات فحسب، وإنما مؤسسات المجتمع المدني كلها، وأضرب مثالاً على ذلك موقع النساء البريطانيات لمنع تجنيد النساء في داعش، وما يقوم به بعض الشباب العراقي. وأرى أن إنتاج أفلام قصيرة بعدة لغات، منها الجاد الذي يقدم الحقائق، ومنها الفكاهي الهادف إلى تفكيك أفكار داعش وتقويضها حيث يسخر فيها من داعش وأفكارها، وعلينا أن نحارب معاً بالكلمة والصورة الأفكار المتطرفة كل في موقعه ومكانه وبما يحسن عمله.