الأحد 23 نوفمبر 2014 / 20:20

المستوطنون، قوّة الردع الجديدة!



 
توجد، على الأرض، وفي الجانبين، قوى وجماعات تريد دفع المجابهة إلى حدودها القصوى، أي الحرب الدينية بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين في فلسطين الانتدابية، ولكن رهانها الوحيد على نجاح مسعاها يتمثل في خروج العنف المتبادل عن دائرة السيطرة. وهذا أمر تقع مسؤوليته، إذا وقع، على عاتق النخبة السياسية والعسكرية السائدة في إسرائيل.

ثمة ما يشبه سباقاً مع الزمن بين قوى إقليمية ودولية، إضافة إلى أطراف فلسطينية وإسرائيلية، لتفادي الوقوع في شرك الحرب الدينية، لأسباب ودوافع مختلفة، يتراوح ترتيبها على سلّم الأولويات ما بين المضاعفات الخطيرة لمجابهة كهذه على حاضر ومستقبل الشرق الأوسط نفسه من ناحية، وبين الحسابات الشخصية، والحزبية، من ناحية ثانية. وفي ظل حسابات كهذه يتجلى معنى ومبنى مسؤولية النخبة السائدة في إسرائيل، التي تنخرط في مماحكات حزبية، وأوهام فاوستية، مع كل ما يسمها من مزايدات وسياسات شعبوية.

يعرف مراقبو المشهد السياسي في إسرائيل أن اليمين الديني/القومي يكتسب مزيداً من النفوذ، وتتزايد معه حظوظ فاشية المتدينين القوميين في احتلال الفضاء العام. وهذا، في ظل الإحساس بفائض القوّة العسكرية والاقتصادية، والحرائق التي تشتعل في العالم العربي، يسوّغ في نظر النخبة السائدة الإبقاء على نظام الأبارتهايد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعرقلة كل حل محتمل لإنهاء الاحتلال.

لذلك، لا نعثر في تصريحات الساسة الإسرائيليين على ما يوحي بوجود صلة بين احتمال حرب دينية تلوح في الأفق، وانغلاق أفق الحل السياسي. والأهم من هذا أن القرارات التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الهجوم على المدرسة الدينية اليهودية في القدس، تعزز توقعات سابقة بشأن الحرب الأهلية في الجليل والمثلث والنقب، بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، وتعزز القتل والقتل المضاد في الضفة الغربية والقدس بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود.

كان السماح للمستوطنين في الضفة الغربية بحمل السلاح من أبرز هذه القرارات. وعلى الرغم من حقيقة أن أغلب المستوطنين يحمل السلاح، إلا أن القرار الجديد يضفي على استخدام السلاح ضد الفلسطينيين، وعلى ما قد يرتكبونه من أعمال عنف وقتل، شرعية إضافية. وهذا يصدق على اليهود الإسرائيليين في القدس، أيضاً، ومن غير المستبعد أن يشمل كافة اليهود الإسرائيليين في وقت لاحق.

وربما ليس من السابق لأوانه القول إن سياسة تسليح المستوطنين، تبدو وكأنها البند الأوّل على قائمة الردود المحتملة لمجابهة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، إذا وقعت، وعندما تقع. وهذا النوع من القرارات ليس وليد اللحظة، بل يحتاج إلى تدبير مُسبق.

كان البند الأوّل على قائمة الردود المحتملة للرد على الانتفاضة الثانية قبل 14 عاماً: استخدام أكبر قدر ممكن من قوّة النيران ضد المتظاهرين على الحواجز، ومناطق التماس، واستخدام القنّاصة لقتل أكبر عدد ممكن من النشطاء، وقادة المظاهرات. ولم يكن ذلك، في حينها، وليد اللحظة، بل جاء نتيجة دروس يقول الإسرائيليون إنهم استخلصوها من الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في أواخر الثمانينيات.

ويبدو أن السيناريوهات المحتملة، التي وضعوها لمجابهة الانتفاضة الثالثة، إذا وقعت، وعندما تقع، تقوم على فرضية إحباط مختلف أشكال المقاومة السلمية، والمجابهة بين المتظاهرين وقوّات الجيش والشرطة، بقدر أقل من قوة النيران، والاستعداد لمرحلة استنزاف طويلة يقوم المستوطنون فيها بدور قوّة الردع، في مجابهة أعمال عنف فردية مُتوقعة في مناطق متفرقة.

وهذه الفرضية هي أقصر الطرق، بالتأكيد، إلى سيناريو القتل والقتل المضاد في الضفة الغربية والقدس، والحرب الأهلية في الجليل والمثلث والنقب من ناحية، وأكثرها فعالية في تسريع وإضفاء طابع الحرب الدينية على آخر تجليات الصراع بين الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين في فلسطين وعليها من ناحية ثانية.

وما يستدعي الانتباه في هذا السياق يتمثل في تساؤلات من نوع: هل يُغامر الإسرائيليون، فعلاً، بخيار الحرب الدينية، ويجرّون الفلسطينيين إليها، على أمل أن يؤدي ظهور تجليات داعشية في أوساطهم إلى نزع كل صفة قومية، أو سياسية، عن الكفاح لنيل الحرية والاستقلال، مع إدراك مسبق لحقيقة أن ظهور الدواعش لن يؤدي إلى فقدان حقهم في الاستقلال وحسب، بل وسيؤدي إلى تدمير مجتمعهم، أيضاً؟

تبدو سيناريوهات كهذه فاوستية تماماً، وهي في كل الأحوال محفوفة بالمخاطر، ويمكن أن ترتد على الإسرائيليين أنفسهم بويلات كثيرة. ومع ذلك، مع وجود نخبة سائدة في إسرائيل على هذا القدر من عمى البصر والبصيرة، وهذا القدر من الإحساس بفائض القوّة، والارتهان للمماحكات الحزبية، والمصالح الشخصية، والسياسات الشعبوية، لا ينبغي استبعاد شيء من قائمة الاحتمالات.