السبت 29 نوفمبر 2014 / 00:54

ستراتفور: داعش يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط

24. طارق عليان

قال جورج فريدمان، كاتب ومحلل سياسي أمريكي، في تحليل له نشره موقع ستراتفور، المعني بالتحليلات الاستخباراتية والأمنية، إن تنظيم "داعش" تسبب في إحداث دوامة اجتذبت قوى إقليمية وعالمية، مشيراً إلى أن الدول اضطرت إلى إعادة تكييف سياساتها وعلاقاتها مع بعضها بعضاً على خلفية ذلك.

وأوضح الكاتب أن هذا الأمر بات جلياً في سوريا والعراق، مضيفاً أن دمشق وبغداد ليستا الوحيديتَيْن اللتَيْن يتعيّن عليهما التعامل مع "داعشية". فالقوى الإقليمية الأخرى، وأبرزها تركيا وإيران والسعودية، هي الأخرى تحتاج إلى إعادة حساب مواقفها، منوهاً إلى أن بوسع أي تنظيم إرهابي أن يثير اضطراباً.

فشل المحادثات الإيرانية
وأشار الكاتب إلى إخفاق المحادثات النووية مع إيران في التوصل إلى اتفاق، لكن المهلة المحددة لإبرام صفقة تم تمديدها دون أية مشكلات.
ولفت الكاتب إلى أن جذور التحولات التي تشهدها المنطقة حالياً تمتد إلى ظهور "داعش". فمن الناحية الأيديولوجية، ليس هناك إلا اختلاف ضئيل بين "داعش" والحركات الجهادية الإسلامية الراديكالية الأخرى، لكن من حيث الوجود الجغرافي، ميزت داعش نفسها عن بقية الجماعات المتطرف.

ففي حين أن تنظيم "القاعدة" ربما كان يتوق إلى السيطرة على دولة وطنية ذات شأن، فإنه ظل في المقام الأول تنظيماً إرهابياً ضئيلاً، وإنْ كان واسع الانتشار. ولم يحتفظ التنظيم برقعة جغرافية مهمة احتفاظاً دائماً. أي أن التنظيم كان حركة لا مكاناً.

وبحسب الكاتب، فإن داعش ترى نفسها كبذرة يمكن أن تنمو منها دولة إسلامية عابرة للحدود الوطنية، وقد وطدت نفسها في سوريا والعراق ككيان جغرافي. فالجماعة تسيطر على رقعة محددة تحديداً تقريبياً في بلدَيْن، وهي تملك شيئاً أشبه بجيش تقليدي، وهذا الجيش مصمم للدفاع عن الدولة وتوسيع نطاق سيطرتها.
وأوضح فريدمان أن داعش احتفظت بشخصيتها حتى الآن، بغض النظر عما شهدته من تقدم وتقهقر. ففي حين أن جزءاً كبيراً من قوة الجماعة يتركز في تشكيلات مؤلفة من محاربي عصابات، بالإضافة إلى احتفاظها بجهاز إرهابي إقليمي معتبر، فإنها تظل شيئاً جديداً نوعاً ما على المنطقة، بمعنى أنها تظل حركة إسلامية تتصرف كما لو كانت دولة إقليمية.

ورأى الكاتب أنه من غير الواضح إذا كانت الجماعة تستطيع أن تتوسع أم لا، إذ يبدو أن داعش بلغت حدودها في كردستان، وقد بدأ الجيش العراقي (الذي تعرض لهزيمة نكراء في المرحلة الأولى من ظهور داعش) يُظهر بعض علامات القدرة على شن هجوم مضاد.

تهديد جديد على الأرض
وأوضح الكاتب أن داعش تحتوي عنصراً إرهابياً، لكنها أيضاً قوة مركّزة من المحتمل أن تستطيع توسيع رقعتها. وتتصرف هذه الجماعة بطريقة جيوسياسية، وما دامت باقية فإنها تمثل تحدياً جيوسياسياً.

وأشار الكاتب إلى أن داعش تمثل عناصر من السكان العرب السُنّة داخل العراق وسوريا. وقد فرضت نفسها على المناطق العربية السُنيَّة العراقية، وعلى الرغم من أنه توجد يقيناً معارضة لقوة داعش بين السُنّة، فإن بعض المعارضة لأية دولة ناشئة شيء حتمي، وقد تمكنت داعش من التغلب على هذه المعارضة حتى الآن. لكن الجماعة أيضاً ضغطت على حدود المناطق الكردية والشيعية، كما سعت إلى إيجاد صلة جغرافية بقواتها في سوريا، مغيّرة بذلك ديناميكية العراق الداخلية تغييراً كبيراً. فحيثما كان السُنّة ذات يوم ضعفاء ومبعثرين، صارت "الدولة الإسلامية" الآن قوة كبيرة في المنطقة الواقع شمال بغداد وغربها، مما يشكل تهديداً محتملاً لإنتاج النفط الكردي والحوكمة العراقية.

وقد كان للجماعة أيضاً أثر أشد تعقيداً في سوريا، بحسب الكاتب، حيث أضعفت الجماعات الأخرى التي تقاوم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي قوّت موقف الأسد مع زيادتها قوتها هي في الوقت نفسه. وتوضح هذه الديناميكية التعقيد الجيوسياسي الذي يتسم به وجود داعش.

مجابهة داعش بائتلاف دولي
وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة انسحبت من العراق على أمل أن تطوّر بغداد، مضيفاً أن هذا الهدف كان ملتبساً على الرغم من أنه لم يكن صعب المنال. لكن ظهور داعش أخلّ بالتوازن في العراق إخلالاً حاداً، كما أجبرت مواطن الضعف الأولية الموجودة في القوات العراقية والكردية التي واجهت مقاتلي داعش الولايات المتحدة على التفكير في احتمال هيمنة الجماعة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا.

تركيا عنصر حاسم في الائتلاف
وأوضح الكاتب أن تركيا بات اليوم عنصراً حاسم الأهمية في هذا الائتلاف، حيث صارت أنقرة قوة إقليمية كبيرة. فهي صاحبة أكبر اقتصاد وجيش في المنطقة، وهي الأكثر عرضة للتأثر بالأحداث الجارية في سوريا والعراق، الواقعين كلاهما على امتداد الحدود الجنوبية لتركيا.

وأفاد الكاتب أن ياسة أنقرة في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان تمثلت في تجنّب الصراعات مع الجيران، وهو ما تمكنت من فعله بنجاح حتى الآن، وتريد الولايات المتحدة الآن أن تقدم تركيا قوات، خاصة قوات برية، لمواجهة داعش.

ورأى فريدمان أن لأنقرة مصلحة في فعل ذلك؛ بما أن النفط العراقي سيساعدها على تنويع مصادرها من الطاقة، ولأنها تريد الحيلولة دون اتساع رقعة الصراع ووصولها إلى تركيا، مشيراً إلى أن الحكومة التركية سعت جاهدة إلى إبقاء الصراع السوري خارج حدودها وإلى الحد من ضلوعها هي نفسها في الحرب الأهلية ضلوعاً مباشراً. كما أن أنقرة لا تريد أيضاً أن تُحدث "الدولة الإسلامية" ضغطاً على الأكراد العراقيين من شأنه أن ينتشر في النهاية ويصل إلى أكراد تركيا.

وأوضح الكاتب أن تركيا باتت حالياً في موقف صعب. فلو تدخلت ضد داعش بجانب الولايات المتحدة، فسوف يتعرض جيشها لاختبار لم يتعرض لمثله منذ الحرب الكورية، وجودة أدائه ليست بالشيء المؤكد، فالمخاطر حقيقية، والنصر أبعد من أن يكون مضموناً. وسيكون في هذا استئناف من جانب تركيا للدور الذي لعبته في العالم العربي إبّان الإمبراطورية العثمانية، محاولةً تشكيل السياسة العربية على النحو الذي تراه مرضياً.

ورأى فرديمان أن الولايات المتحدة لم تُحسن فعل هذا في العراق، وليس هناك ما يضمن أن تنجح فيه تركيا أيضاً. والحقيقة أن أنقرة يمكن أن تنجر رجلها إلى صراع مع الدول العربية لا تستطيع الانسحاب منه بمثل براعة انسحاب واشنطن.

وبحسب الكاتب فإن عدم الاستقرار في جنوب تركيا وبروز قوة جديدة على الأرض في سوريا والعراق يمثلان تهديدات حيوية لأنقرة. وهناك ادعاءات تقول إن الأتراك يساندون داعش سرّاً، رغم تشكيك الكاتب في هذا الأمر.

واستبعد الكاتب فريدمان تنفيذ الأتراك الأوامر الأمريكية، مشيراً إلى أن أنقرة لها مصالح في سوريا لا تتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن تركيا تريد إطاحة نظام الأسد، لكن الولايات المتحدة راغبة عن القيام بهذه الخطوة خشية أن يفتح هذا الباب أمام قيام نظام جهادي سُني (أو على الأقل فوضى جهادية) يستحيل تشكيله في ظل وجود داعش.

وأفاد الكاتب بأن الأتراك يسوقون حالياً قضية الأسد كعذر لعدم الانخراط في الصراع، منوّهاً إلى أن أنقرة تريد رحيل الأسد وقيام نظام سُني موال لتركيا مكانه. وإذا رفضت الولايات المتحدة الرضوخ إلى هذا المطلب، فسوف يكون لدى تركيا أساس تستند إليه في رفضها أن تتدخل. وأما إذا وافقت الولايات المتحدة، فسوف تحصل تركيا على المحصلة التي تريدها في سوريا، لكن في مقابل مخاطر أكبر تحيق بالعراق. وبالتالي صارت داعش محور ارتكاز العلاقات الأمريكية التركية، إذْ حلت محل قضايا سابقة مثل علاقة تركيا مع إسرائيل.

دور إيران الإقليمي المتغير
وأشار الكاتب إلى أن ظهور داعش أعاد تعريف وضع إيران في المنطقة. فطهران ترى وجود نظام حكم موال لإيران يهيمن عليه الشيعة في بغداد شيئاً حاسم الأهمية بالنسبة لمصالحها، تماماً مثلما ترى في هيمنتها على جنوب العراق أمراً بالغ الأهمية.

وتملك داعش، من وجهة نظر طهران، القدرة على عرقلة الحكومة الكائنة في بغداد وربما تقويض مكانة إيران في العراق. وعلى الرغم من أن هذه ليست هي النتيجة الأكثر رجحاناً، فإنها تمثل تهديداً محتملاً يتعيّن على إيران التصدى له، بحسب الكاتب.

وأوضح الكاتب أن هناك تقارباً بين الولايات المتحدة وإيران بفضل مصالحهما المشتركة في مواجهة داعش، حيث أفادت العديد من التقارير بوجود تعاون عسكري أمريكي إيراني ضد داعش، في الوقت الذي تم فيه تهميش القضية الرئيسية التي تُسبب انقساماً بين الجانبَيْن (البرنامج النووي الإيراني).

وأوضح الكاتب أنه كلما ازدادت قوة داعش، صارت العلاقات أمتن بين الولايات المتحدة وإيران. فواشنطن لا تستطيع أن تعيش مع خلافة عابرة للحدود الوطنية قد تصير قوية إقليمياً يوماً ما.

ونوه الكاتب إلى أن داعش كان لها أثر على العلاقات في المنطقة. فظهور الجماعة وضع الولايات المتحدة من جديد في قلب النظام الإقليمي، كما أجبر ثلاث قوى شرق أوسطية كبيرة على إعادة تعريف علاقاتها مع واشنطن بطرق مختلفة. كما أحيا بشكل أعمق مخاوف تركيا وإيران والسعودية.

ورأى الكاتب أن أنقرة لن تستطيع أن تتجنب زيادة ضلوعها في الصراع، في حين ستضطر طهران إلى التعايش مع الولايات المتحدة.