الأربعاء 3 ديسمبر 2014 / 16:04

"جريمة النقاب" ونقاب الجريمة



وقعت جريمة قتل شائنة، في العاصمة أبوظبي، في وضح النهار، وبين حشود من البشر، وبصرف النظر عما ستسفر عنه نتائج التحقيقات من خلفيات وأسباب هذه الجريمة، وكشف هوية القاتل ودوافعه، فإن ما يبرز إلى السطح الآن، وبصورة ملحّة، بضعة أمور أساسية، لابدّ من طرحها، لأن الواقعة خطيرة، وتمسّ أمن المجتمع الإماراتي برمته، ولا يمكن القول إنها مجرد حادثة فردية لا دلالات أو أبعاد لها، لاسيما إذا أخذنا في الحسبان طريقة وقوع الجريمة، واتخاذ المجرم النقاب والقفازات والعباءة وسيلة للتخفي، وارتكاب جريمته هذه، بل إنه وبحسب شهود عيان كانوا في المكان، وبحسب الصور القليلة التي رشحت عن الحادثة، فإن مرتكب الجريمة يتخذ هيئة شبحية، تجعل من الصعوبة الشديدة التعرف عليه وتحديد مواصفاته (وحتى معرفة ما إذا كان ذكراً أم أنثى).

لابدّ من الاعتراف صراحة في البداية إنه آن أوان طرح موضوع النقاب، على طاولة البحث، فهو الموضوع المحوري في هذه القضية، وهو ربما كان الأداة الفعلية التي سهلت ومكنت المجرم من ارتكاب جريمته، وربطاً بالموضوع نفسه، فإنه لابدّ، في الوقت الراهن على الأقل، من طرح أسئلة جدية، حول الإجراءات والنظم والمعايير، التي تضمن حماية الناس وأمنهم، وعدم تكرار مثل هذه الجريمة المروعة، والتي ذهبت ضحيتها مدرّسة حضانة أمريكية لديها طفلان صغيران تعيلهما، وكان يمكن أن يذهب ضحيتها أيّ شخص منا، فقط لأن "رجلاً" أو "امرأة" تمكن من التخفي بالنقاب وارتكاب جريمته هذه، مما زاد من صعوبة تعقبه والقبض عليه، حتى الآن على الأقل.

السؤال (والمسؤولية) تذهب في اتجاهات عدة:
أولاً، المجتمع نفسه الذي يمكن أن يدافع دفاعاً أعمى عن النقاب، دون تمييز أو حتى اقتراح حلول، لعدم استغلاله في مثل هذه الأعمال الإجرامية، والمجتمع الإماراتي لابد وأن يقف كما هو دوما موقفا حازما ينبذ فيه كل المظاهر التي تعرض أمنه واستقراره للخطر، وهو أحرص من غيره على أن لا تستغل المظاهر الشكلية على نحو إجرامي، وعليه من هذا المنطلق أن لا يتخاذل في تزويد الجهات المختصة بكافة المعلومات التي ستسهم في تعقب هذا المجرم وتقديمه للعدالة.

ثانياً، ما هي الإجراءات الأمنية الواضحة المعتمدة في الجهات والهيئات الحكومية، لمنع استغلال النقاب في ارتكاب الجرائم على أنواعها؟ ولعله من المفيد في هذا السياق أن نتذكر، ونحن نعيش احتفالاتنا باليوم الوطني 43، ما قاله الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حول هذه المسألة بالتحديد، حيث توقف مبكراً عند الإشكالية التي يطرحها وجود المنقبات في أماكن العمل.

وهنا لابد أن نتساءل كيف يمكن إغفال وجود إجراءات حماية ومراقبة حول أماكن حساسة (يمكن ارتكاب مختلف الجرائم بها) مثل أماكن الراحة، وخصوصاً في المراكز التجارية والأماكن العامة المشابهة؟

إن من يخافون من طرح هذه الأسئلة اليوم، هم وبكل صراحة وأمانة أولئك الذين لا يريدون إيجاد إجابات شافية عنها، وهم بالتالي لا يبالون بأمن المجتمع الإماراتي، وبعضهم يدافع بطريقة إيديولوجية عن عادة أو تقليد اجتماعي بات من المسلم به، وعبر كبار علماء الدين، بل وعبر الأوقاف الإماراتية نفسها، بأنه لا صلة له بالدين، وهذا يطرح سؤالاً إضافياً أو يلقي بجانب مهم من المسؤولية على وسائل الإعلام الإماراتية التي يبدو أنها لم تبذل جهداً توعوياً كافياً لتوضح الفرق بين صحيح الدين، وبين أمور شكلية أخرى لا تدخل في صميم وجوهره الحنيف.

"جريمة النقاب"، ورغم كل المأساوية التي تنطوي عليها، ربما تكون فرصة حقيقية، لكي يتم وعلى كافة المستويات، وعلى أوسع نطاق، طرح هذه القضية، وإيجاد الحلول الناجعة لها، بدلاً من مجرد الاحتجاج المجاني أو الوقوف موقف المتفرج مما جرى، فوراء الكتلة السوداء التي ارتكبت هذه الجريمة، الكثير من الكتل السوداء التي يجب إزالة النقاب عنها في التعاطي المؤسسي مع هذه المسألة الخطيرة.