الخميس 4 ديسمبر 2014 / 13:43

بالعقل.. ليس النقاب بل "التنقّب" بالنقاب


صادمة جاءت بعض الردود، غير المنطقية، ولا العقلانية، بل القائمة أولاً وأخيراً على الابتزاز الديني والاجتماعي، على قضية النقاب والأمن. فهذه الأصوات "المذعورة" من مجرد طرح القضية، تحاول تغييب العقل تماماً في مسألة "جريمة النقاب" التي وقعت أخيراً في أبوظبي، وحرف الموضوع عن مساره الصحيح، بل وتسعى جاهدة إلى تكريس نقاش آخر، له أبعاد محض دينية، أو مرتبطة بتفاسير معينة لصحيح الدين لا جدوى من الخوض بها، لتبتعد بذلك، وتبعد المجتمع الإماراتي عن جوهر القضية: استخدام النقاب كغطاء وأداة في ارتكاب أعمال إجرامية، تمسّ أمن كلّ مقيم على أرض الإمارات، بما في ذلك أمن المنقبات والمدافعين عن النقاب.

هل يسيء حقاً إلى النقاب أن نطرح السؤال: كيف يمكن حماية المجتمع من أفرد (رجالاً كانوا أم نساء) يستخدمون النقاب لكي يتخفوا به، ويتسللوا إلى بيوتنا أو مراكزنا التجارية، ويرتكبوا جرائمهم ويفروا تحت جنح ذلك النقاب، دون إمكانية التعرف عليهم؟ إن من يسيء حقاً إلى النقاب هم أهل هذا المنطق، الذين يرفضون الإجابة عن هذا السؤال، والمشاركة في إيجاد أجوبة وحلول عملية، فهؤلاء يرفضون الاعتراف بالحقائق البسيطة الماثلة أمامهم، وفي طليعتها أن الإمارات بلد يعيش ويعمل الملايين على أرضه، كما يستقبل يومياً آلاف السائحين من كلّ أنحاء المعمورة، فهل يجب أن نفترض أننا نعيش في عالم مثالي، لا شرّ فيه ولا أشرار، ولا جريمة ولا إرهاب، ونكتفي بأن نضع أيدينا على خدودنا حين تقع جريمة رهيبة كالتي وقعت قبل يومين، وذهبت ضحيتها مدرسة وأم لطفلين، بانتظار أن يقوم قاتل آخر، لأسباب أخرى، وفي ظروف مغايرة ربما، باستخدام الوسيلة نفسها لارتكاب جريمته، والفرار من وجه العدالة؟ أم أن ما جرى هو بمثابة جرس إنذار يدعونا إلى التفكير بجدية وعمق بهذه المسألة، بل والتعاون كأفراد مجتمع واحد، لإيجاد الحلول لهذه المسألة، بدلاً من إلقاء المسؤوليات فقط على الآخرين، والتنصّل مما يمليه علينا كأفراد واجبنا الوطني والإنساني أيضاً.

إن ما يقلق حقاً في هذه المسألة، هو أن بعضهم، تارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم العادات والتقاليد، أو بمزيج من الأمرين معاً، اختار وبخبث واضح "النقاب"، لكن ليس نقاب الملبس، بل العقل والتفكير، لكي يفرض على المجتمع وصاية جديدة وينصّب نفسه مدافعاً عن الدين والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد، وكأن مجرد التفكير خارج هذه الدائرة الضيقة المغلقة بات عملاً من أعمال "الكفر" و"الهرطقة"، وكأن ثمة من لا يزال يعتقد أنه بإمكانه توزيع شهادات الإيمان والدين الصحيح على الآخرين، وهذه ليست إلا من سمات ونتائج الإسلام السياسي، الذي جعل كلّ من هبّ ودبّ يتوهم أنه مالك ناصية الحق، المنفرد بالصواب، وأن كلّ من يخالفه الرأي هو "زنديق" أو بكلام بعضهم "ليبرالي" همه الانقضاض على الدين الحنيف ومحاربته. فأي مستوى من الانحطاط بلغ هؤلاء، وأيّ معركة وهمية يحسبون أنهم يخوضونها، ليس دفاعاً عن أية مبادئ أو تدين، بل عن تحجرهم وانغلاقهم الأعمى.

نقول ونكرر، إن الجريمة النكراء التي وقعت على مسمع ومرأى منا جميعاً، تتطلب منا حساً عالياً بالمسؤولية، لا غرقاً في الترهات والجدل العقيم، وأما الدين فله أهله وعلماؤه الأكفاء القادرون على الدفاع عنه، فلا يحاول بعضهم جرّ النقاش إلى القشور، ويهمل الجوهر، وهو ضرورة معالجة استخدام بعضهم النقاب للتخفي وإخفاء الهوية، لارتكاب الجرائم وبثّ الفوضى في المجتمع، ولنرتقي بنقاشنا إلى مقترحات وحلول لهذا الأمر، بدلاً من التلهي وخداع النفس والآخرين بعدم وجود مشكلة على الإطلاق.