السبت 13 ديسمبر 2014 / 18:24

عن جريمة النقاب والأفكار المنقبة



لا شك أن "جريمة النقاب" في اليوم الوطني أرادت أن تستهدف أمان المجتمع وأمن الإمارات وحتى "الإنسانية" بحسب وصف سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن تفاصيل الجريمة، لكنني لا أعتقد أنه كان من ضمن نوايا القاتلة والجريمة التي ارتكبتها أن تكشف عن نقاب التطرف في عقول البعض تجاه معتقداتهم التي يفترضون أن دفاعهم عنها دفاع عن "الفضيلة"، ثم يكيلون الشتائم والاتهامات في الأعراض والشرف لكل من عارضها، ويسمون ذلك دفاعا عن شرع الله. التفسير الوحيد أن المبدأ الذي يستبيح الأعراض حفظا للأعراض مبدأ مريض متناقض مع نفسه، لكن الأدهى أن يسمى هذا المبدأ دينا أو شريعة، فالإسلام براء من تناقض هؤلاء.

ليس الحديث عن فضائلية النقاب من عدمها فالفضيلة ليست مظهراً لا تقاس إلا به، ولا عن الضرورات الأمنية التي تجيز مراجعة الحاجة إلى "غطاء للهوية الشخصية" يمكن أن يستغل لتهديد حياة الآخرين كما يرى معارضو النقاب، ولا عن كونه عنواناً لأيديولوجية دينية ذات طابع اجتهادي فقهي لا لشريعة إلهية ثابتة ويستدل على ذلك البعض بأقوال المتقدمين والمتأخرين من علماء الفقه. على كل غيور على أمن واستقرار مجتمعه وحياة الأبرياء الآمنين فيه أن يجيب على أسئلة معظمها صعب ويفرض علينا أن نراجع ضرورات عدة. كلنا نعيش ضمن أسر ترتدي بعض نسائها النقاب، لكنا يجب أن نعترف أن النقاب حاجب للهوية أحيانا كما هو ساتر للوجه. كم مرة أوشك أحدنا أن يمسك بكتف امرأة لا يعرفها في مكان عام وهو يظن أنها إحدى محارمه؟ أحد الأصدقاء وقع في ورطة لأنه نادى امرأة منقبة في محل تجاري بـ"حبيبتي" وهو يعتقد أنها زوجته!

إن السؤال الذي تجب الإجابة عليه أولاً هو: لماذا تحولت المخاوف من استغلال النقاب في تهديد الأمن والأمان كفراً ودياثة في نظر البعض؟! وكيف تحول الحديث من إدانة الجريمة البشعة والفكر البشع الذي حملته إلى صراع بعيد عن كل آثار الجريمة وتداعياتها بدلاً من أن يناقش المسببات التي حركت هذا الإرهاب وطريقة التعامل معها وإلغاءها؟! جواب صعب محتمل يدعو للقلق على السؤالين وهو أن التطرف يعيش بيننا وينتظر فرصة سانحة لإقصاء مخالفيه لم تسمح بها الظروف بسبب معايير الأمان والاستقرار التي تتوفر في بلادنا والكفاءة العالية لعناصر الشرطة التي لم تمنعها ملابسات الجريمة من رصد الأدلة وإلقاء القبض على القاتلة.

كما أن مجتمعنا في عمومه ينبذ التطرف وهذا أمر آخر قد يكبح جماح الكراهية التي تعتمر قلوب وعقول بعض أفراده فيحتفظون بها سراً وينفون وجودها معظم الأحيان حتى تأتي اللحظة التي تفضح المستور، ولا أدل على ذلك من استخدام هؤلاء لحسابات منقبة مستترة باسم مستعار.

لقد اعتبر البعض أن تسمية الجريمة بالنقاب جريمة بحد ذاتها، مع أننا وحتى الأربع وعشرين ساعة الأولى التي أعقبت الجريمة لم نكن نعلم عنها سوى ما رأيناه في الفيديو الذي نشرته الداخلية ويظهر امرأة منقبة بالكامل تدخل مركزا للتسوق وتتسلل إلى حمام عمومي لتقتل امرأة قدمت لبلادنا لتعلم أطفالنا، كشفت التفاصيل بعد ذلك أن ذنبها كان أنها أرادت قضاء حاجتها في الوقت والمكان الخطأ، وكان اختيارها لتكون الضحية قائما على لون بشرتها وحديث لسانها الغربي، حتى وإن كان كل ما يربطها بذلك جنسية وجواز سفر، بينما كانت الصور التي التقطت لإيبوليا ريان يوم العيد الوطني تظهرها مرتدية اللباس الإماراتي ومتشحة بالعلم مشاركة مع تلامذتها الصغار فرحتهم بوطنهم. وبدلا من الإشفاق على الضحية، صارت التسمية مشكلة البعض، وتناسوا أن التسميات لا تعني شيئا، فكم من جماعة متطرفة بغيضة تعنون نفسها باسم الله والإسلام وهي بعيدة كل البعد عنهما. وقد انشغل البعض بغرابة بتحذير الناس من عدم جواز الترحم على الكافر شرعا ونالوا من شرف الضحية تبريرا لذلك.

ما يهم ليس أن يمنع النقاب أو يسمح به، المهم أن تُكشف وتحارب كل الأفكار المنقبة التي جعلت منه مسألة حياة أو موت وسببا للكراهية والشتيمة والإقصاء بين مؤيد ومعارض. قد يكون العنف في الدفاع عن النقاب له مبررات أخرى مقلقة أكثر تتستر بحماية العرف والشرع لكي لا تكشف ما هو أدهى وأمرّ وأتمنى ألا يكون هذا الاحتمال حقيقة، لأن هذا الستار هو الذي جلب لنا الإرهاب وحركاته، فحتى داعش تدّعيه.