الإثنين 15 ديسمبر 2014 / 14:04

النقاب والأمن المجتمعي: هل يكون المحرم حلاً؟



ثمة أدلة كثيرة يعرفها علماء المسلمين تبين أنّ كشف المرأة لوجهها أمر مشروع، ويؤيد هذا أنّ المرأة تكشف وجهها في الصلاة وكذلك في الحج والعمرة، ولو كان الوجه والكفان عورة لما أبيح لها كشفها، لأنّ ستر العورة واجب، ولم يقم دليل صريح من القرآن الكريم ولا من السنّة بوجوب إخفاء الوجه والكفين، بل جاءت الأخبار الصحيحة بغير ذلك. ومن ثم يكون استخدام النقاب مسألة فردية واختياراً فردياً. هذا ما يقرره المرحوم فضيلة شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق في مقالة عنوانها "المرأة المسلمة بين النقاب والحجاب".

لكنّ الجريمة النكراء التي وقعت في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي ارتكبتها مجرمة منقبة، تجعلنا نعيد السؤال حول هذه المسألة، ليس للدخول في سجال فقهي حول النقاب وهل هو عادة أم عبادة، بل لنتساءل عن استغلال التنظيمات المتطرفة له ليكون أداة من أدوات خلخلة الأمن المجتمعي .

إنّ إلقاء نظرة على استخدام النقاب في مجتمعاتنا العربية والخليجية، يبين أن المرأة المنقبة كانت يوم تأتي إلى السوق تعلن عن شخصيتها، فتلقي السلام وتحيي الناس بأسمائهم، وهو ما كان يجعل من النقاب تعبيراً عن خيار فردي يقّره المجتمع ويحترمه، لأنه كان منسجماً مع ثوابته وقيمه.

أما اليوم فقد اختلف الأمر تماماً، فلم يعد النقاب في كثير من الأحيان تعبيراً عن موقف فردي يؤمن بثوابت المجتمع وطبيعته المتسامحة، بقدر ما صار يصدر عند الكثيرات عن رغبة في التفرد قد يصاحبه لون من العزلة الشعورية عن المجتمع والشعور بالاستعلاء عليه. وهي مشاعر تضر بصاحبتها، فتجعلها فريسة سهلة لأفكار متطرفة تقوي فيها جانب الرفض والحقد على الآخر المختلف.

إنني أؤمن بحرية حركة المرأة داخل مجتمعها، وهي حركة مشروطة عند علماء المسلمين بوجود الأمن والأمان. لهذا فإن من المنطقي أن لا تسهم حركتها داخل مجتمعها في إرباك هذ الأمن الذي يشكل أساساً لحركتها.

كيف يحدث هذا؟ إن الحركة الحرة داخل مجتمع مثل دولة الإمارات التي توفر لمواطنيها وللعاملين فيها، على تنوع ثقافاتهم ومعتقداتهم وجنسياتهم، حياة سهلة ومريحة وخالية من التعقيدات، ينبغي أن تقوم على وضوح الهوية وبروز الشخصية، بحيث يكون المرء مسؤولاً عما يقوم به في حالتي الثواب والعقاب .

والسؤال المطروح على وعي المجتمع وعلى علماء الشريعة في هذه اللحظة الحرجة هو كيف يمكن التوفيق بين وجود النقاب والأمان المجتمعي؟

لقد صرح عالم الشريعة الدكتور محمد القضاة وزير الأوقاف الاردني الأسبق لفضائية سكاي نيوز إنه يحق للدول إعادة النظر في ارتداء النقاب إذا شكل تعارضاً مع الأمن المجتمعي، مضيفاً أنّ عدم ارتداء النقاب ليس حراماً أو كبيرة من الكبائر. وحتى لا نصل إلى ما أفتى به الدكتور القضاة، علينا أن نتدرج في الحلول. لأن التدرج في التشريع والسير بها نحو الذروة تقليد قرآني عريق .

يشترط علماء المسلمين وجود محرم مع المرأة في حالة السفر، خوفاً عليها وصوناً لعرضها، لكنّ وجود محرم مع المرأة المتنقبة لا ينبغي في ظني أن يقتصر على السفر خارج البلاد فحسب، لأنّ المجتمع بات يدرك الآثار الخطيرة لاستغلال النقاب. وكلنا يعرف أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أوقف العمل بحدّ السرقة في عام الرمادة، عندما لم تستطع الدولة تحقيق الأمن الاقتصادي للناس، والسرقة حد من حدود الله، فهل يصعب علينا أن نتصرف بشجاعة وحكمة تجاه مسألة ليست من أصول الدين، ولا يترتب على من لا يفعلها خروجه من الملة؟

إنّ من اللازم الوصول إلى إيجاد منظومة من التشريعات تجعل حركة المرأة المنقبة في أثناء تسوقها وخروجها الحر من منزلها مصحوبة بمحرم يدل عليها وبه تعرف إن أصرت على ارتداء النقاب، انطلاقاً من القاعدة الشرعية التي تقول لا ضرر ولا ضرار، ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع. والتلكؤ في إيجاد منطلق شرعي يدرأ الخطر عن المجتمع، أمر خطير، فهناك أصول ثابتة في الدين الاسلامي كالصلاة والزكاة لا يجوز أن نختلف حولها، في حين أن هناك فروعاً كالنقاب وتغطية الكفين ينبغي أن نتسم بالمرونة في التعامل معها بما يصب في الصالح العام.