الأربعاء 17 ديسمبر 2014 / 12:14

جريمة النقاب ونقاب العقول




كثرت المهاترات وزادت إلى أن وصلت إلى الحد الفاصل بين القضية والكارثة، وتحدث الكثير وأزبد وأرعد البعض لدرجة أنهم ربطوا هذه المسألة بقوة الرجولة وبمدى الغيرة، والبعض ربطها بالوطنية، ليأتي أحد الجهابذة ويربطها باقتصاد الإمارات.

وهناك من لا زال يحاول إثبات أن شرف بنات الإمارات قد مرغ في التراب وأن القصاص من الكتّاب ومن الصحف قد حان وأزف.. وبالعودة إلى تلك المقالات المستهدفة بنيران التشويه والسب والقذف، نرى أن الكثير ممن شنوا هذه الحملة المنظمة لم ولن يقرأها، وإن كان قرأها فليس بعقله، بل عبر مزيج من العقليات والأفكار المسبقة التي حدّدت في الأساس طريقة رده واتجاه تفكيره.

ذكرتني بعض الأصوات في هذه الحملة بما فعله ويفعله تنظيم داعش، حيث التكفير والاتهامات بالزندقة والدياثة، ليست ببعيدة عن ذلك المنطق الذي أزال الرؤوس عن الأجساد لمجرد شرب السجائر أو معارضة أمر أو عدم اتباع تعليمات التنظيم. فداعشي التفكير والمنطق ليس بالضرورة أن يكون موافقاً ومؤيداً لهذا التنظيم، ولكن بعض ردود أفعاله وتصرفاته تغفل أن بعض من انساقوا خلف التنظيم انساقوا بعاطفة دينية مشوهة، وبعاطفة سياسية مبرمجة، وبعاطفة اجتماعيه ملبتبسة.

فحين تحكم على كاتب بالشذوذ والدياثة والعهر والزندقة لمجرد رأي كتبه، كيف يجعلك ذلك مختلفاً في الجوهر عن منهج ذلك التنظيم ومن يتبعه؟ هي بدايات، وكلنا نعرف أن ومعظم النار يبدأ من مستصغر الشرر... نعم، ذلك التنظيم السري في الإمارات بدأ صغيراً وتخفى بقناع اجتماعي وديني وتربوي جميل في ظاهره، جذب الكثير وسار في دربه الكثير دون أن يعلموا حقيقة أهدافه، ودون أن ينتبهوا لدقة تنظيمه وخطواته، ثم حدث ما حدث وانكشف التنظيم على حقيقته.

واليوم تظهر هذه القضية لتكشف عن اتجاه قد يراه البعض اجتماعياً أكثر من كونه دينياً أو ديني أكثر من كونه سياسياً، والحقيقه أن ما تحدثنا عنه سابقاً يعود للظهور بشكل أسماء تقود حسابات منظمة في أروقة تويتر مدّعية الدفاع عن قضية اجتماعية دينية، وهذا حقها، لكن الغريب أنها تواجه طرفاً آخر بتهم تبعده عن وطنيته وعن أخلاقه وعن دينه، مواجهة قد لا تعلن عن "منتصر" في نهاية المطاف، ولكنها كشفت أمراً لابد من الوقوف عنده، فالتشدد الديني إن ظهر في مجتمع مسالم ومجتمع وسطي ومجتمع متعدد الديانات والأفكار، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه..

 النقاب كغيره من القضايا الدينية قد يكون محل نقاش وحوار، ولكن يجب أن لا نحوله إلى قضية مصيرية كقضايا التحليل والتحريم، لأنه في الأساس محل اختلاف فقهي في وجوبه وليس في تحليله وتحريم عدم وضعه.. القضية هنا منتهية، ولكن الذي لن ينتهي هو المضمون فمن وضع نقاباً على عقله وحجب بيده الإجابات الصحيحة عن تساؤلاته، ستبقى قضية النقاب بالنسبة إليه قضية حياة أو موت، دون أن يعنيه المضمون.

النقاب أيها السادة ليس غطاء، بل مضمون، فإن فسد الجوهر، لا تنتظروا من المظهر أن يكون طريقكم إلى الخير والصواب.