الأربعاء 7 يناير 2015 / 22:51

في مومباي.. الغربان تحرس المدينة

24 - هاني نعيم

عند الصباح، وحدهم الغربان ملوك السماء في مدينة مومباي. تتجمّع الغربان وكأنّها في فيلم "The Birds" لهيتشكوك. تبدو وكأنّها تعرف جيّداً كيف تنظم ذاتها في مدينة الفوضى. هذا التجمع يجعل من وصول الضوء إلى وجوه العابرين صعباً، رغم ذلك، تبدو الشمس مألوفة.

هنا، لا شيء يشبه أي شيء آخر. لهذه المدينة التي تقف على حافة الهاوية غرابة خاصة فيها. هي مدينة فيها الكثير من التاريخ، والقليل من الحاضر، رغم الازدحام الذي يبدو أنّه أبديّ. أما المستقبل فهو مؤجّل ولا مكان له في هذا المشهد، رغم أنّ المدينة تعتبر العاصمة الماليّة للبلاد، والشركات الكبرى في حركة دائمة.

الجسور الكثيرة التي تصل أطراف المدينة ببعضها البعض هي مظلة لقاع المجتمع. ما يجري تحت تلك الجسور وفي محيطها هو صورة كثيفة عن حركة المدينة وغرابتها. أما الأشجار الموزعة على جوانب الجسور والطرقات فهي تضيف لوناً على مجموع الألوان التي تلتهم أبصار العابرين.

هنا، أنا لست غريباً، ولا أنتمي إلى المكان. كنت عالقاً في فضاء الدهشة. الحواس المخدّرة من رحلة الباص الطويلة التي امتدت إلى اثني عشر ساعة، لم تكن قادرة على استيعاب المكان، ولكنّها كانت قادرة على احتماله. ورغم أنّ الغربان زرعت بي بعض من الخوف وعدم الاكتراث، استطعت أن أصل إلى المقهى الذي لمحته في أحد الشوارع. في ذلك المقهى، جلست على الرصيف واحتسيت القهوة قرب بائع الجرائد الذي يشبه أي بائع جرائد آخر في أي مدينة عالمثالثية.

مع تقدم ساعات النهار، تتقلص الدهشة، ليحلّ الواقع مكانها. تتكوّن الألغاز في رأسي دون أن أجد أجوبة على أي شيء. أطرح الكثير من الأسئلة حول الحياة في هذه الأزقة غير المألوفة. يبدو أنّ الحياة هنا والآن.

بقيت تائهاً ومسحوراً بهذه الغرابة التي تحلّ في جميع التفاصيل. استرق النظر إلى السماء، كي لا يلتقي بصري مباشرة بالغربان. مازالت هناك ولكن بأعداد قليلة. أشعر بإلفتها. يتلاشى الخوف، ويحل فقط عدم الاكتراث في كياني.

مع حلول الليل، حاولت أن أبتعد قليلاً عن الدهشة، وأكون جزء من المشهد، فقد ذهبت إلى الحلاّق لأشذب ذقني قبل ساعات قليلة من الرحيل. دخلت الصالون المتواضع جداً وكأنّي أدخله منذ سنوات طويلة.

مومباي، هي تلك المدينة التي لا تغادرنا، ولا تسكننا. هي تقع على خريطة المدن النرجسيّة بفرادتها، والقاسية بتناقضاتها. هي المدينة التي تضم مئات الأثرياء، وملايين الفقراء. المدينة التي تريد أن تكون في قلب الحداثة، وتضم في ذات الوقت أكبر الأحياء البائسة (Slums) في العالم. على هذا الخط الفاصل، ترسم صناعة الأفلام البوليووديّة طريقها نحو قلوب الناس.