الأربعاء 14 يناير 2015 / 16:24

الدولة الوطنية سبيل وحيد لهزيمة التطرف



أحد الدروس الكبرى التي يمكن تعلمها من تجربة الإرهاب المتفشية في العالم، شرقاً وغرباً، وكان آخرها حادثة "شارلي إيبدو" في باريس، هو أن التشدد والتطرف (المولدان الرئيسيان للإرهاب)) يعيشان ويتغذيان في الأماكن (سواء البلدان، أو المناطق داخل بعض البلدان مثل أوروبا) التي تتخلى فيها الدولة عن واجباتها ومسؤولياتها، أو بالأحرى عن فعاليتها، وعن أن تكون تعبيراً أو صورة عن أحلام الناس وتجسيداً صادقاً لطموحاتهم، والأهم من ذلك كله أن تكون راعياً أميناً لقيمهم وأفكارهم، وألا تكون هناك هوّة كبيرة ومتسعة بين الدولة والمجتمع.

تمثّل دولة الإمارات العربية المتحدة أحد النماذج الناجحة لهذه العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة تحديداً، فإن مفهوم المجتمع يتسع ليشمل أيضاً جميع المقيمين على أرض الإمارات، حيث يشعر الإماراتيون حقاً (وبعيداً من إطلاق الشعارات) بأن مصالحهم مصانة، وبأن قادة الدولة يعبّرون عنهم في ما يضعونه من سياسات ويتخذونه من خطوات وإجراءات، كما يشعر المقيمون بأن الدولة ليست عنصر تهديد لهم أو أنها تقيم حاجزاً بينهم وبين إمكانية العيش الكريم وتحقيق الفرص، بل هي عامل مساعد ومشجّع على ذلك كله.

ولكن، وبصرف النظر عن المصالح والحقوق، فإن الأهم هو المنظومة القيمية للدولة في الإمارات التي تشكّل جزءاً أساسياً من تكوينها. هذه المنظومة القيمية لا يقف فيها "التسامح" و"احترام الآخر" (بما في ذلك أتباع جميع الديانات والعقائد) عند حدود الاعتراف اللفظي، بل إن هذه القيم مصانة بقوة القانون (ذراع الدولة الأهم والأقوى) بقدر ما هي مصانة بالتراكم التاريخي والتجربة المعيشة، ولذلك وعند الحديث عما يسمى بـ "التربة الصالحة" لنشوء التطرف ثم الإرهاب، غير موجودة في دولة الإمارات، ولا حاجة بنا في هذا المقام لوصف طوباوي للدولة، فهي مثل العديد من دول العالم تواجه تحديات وتنجح في وضع الحلول لها، غير أن الأساس الذي تقوم عليه، وهو بتعبير قادة الإمارات جميعاً، يقوم على فكرة بناء الدولة الوطنية وترسيخها بوصفها صمام الأمان والضامن الأكبر للسلم ولمنع تسرّب الفكر المتطرف إلى جيل الشباب تحديداً.

ما يدفعني الآن إلى التذكير بهذه التجربة النهضوية والتنموية البارزة، تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس عاطفتي تجاه بلدي وقادته، بل ربما بحثاً عن نقطة ضوء أمام هذا الواقع المظلم من حولنا، ومحاولة انتصار للعقل والعقلانية في خضم هذا البحر المتلاطم من الجنون والفوضى، لأقول إنه بلى هناك مخرج بل مخارج عدة من الأزمات التي يعيشها عصرنا، والتي نعيشها اليوم كعرب ومسلمين، وهي العودة إلى فكرة بناء الدولة الوطنية وترسيخ دعائمها ومؤسساتها، والوقوف في وجه ما يضعف حضورها وتأثيرها وعلاقتها بالمجتمع، ذلك أنه حين يشعر الشباب في أيّ مجتمع من المجتمعات بأن البنية المؤسساتية للدولة لا تمثله ولا تنطق باسم مصالحه، فإنه يبدأ بالبحث عن أيّ كيان آخر يجد فيه هذا التمثيل، وهو ما استطاعت تجربة دولة الإمارات إنجازه بكلّ اقتدار، وربما ما يمكن الاهتداء به في فهم تجربة مختلفة وبنّاءة للعلاقة بين الدولة الوطنية والمجتمع، بما يقلص من حجم التناقضات ومشاعر الفشل والغضب، التي يبني فيها التطرف قواعده، ويزيد من أتباعه ومريديه.