الجمعة 23 يناير 2015 / 18:19

حول المسيرة المدللة في غزة.. رسالة من داخل الدفيئة



يمكن الحديث بكثير من الحسد عن المظاهرة التي طافت شوارع غزة الأسبوع الماضي، المسيرة التي نبعت من تحت ركام البيوت وموت الناس و"انتصار" حماس، وهي تحمل رايات "داعش" واقتباسات مختارة من أقوال "أسامة بن لادن" متجهة الى القنصلية الفرنسية بهدوء وفرته لها "ديمقراطية" مفاجئة وتفهم مثير للدهشة من قبل شرطة حماس، بهدف وحيد وهو الاحتجاج على الإساءة للرسول.

مشهد الأعلام السوداء، رايات "أبو بكر البغدادي"، واللافتات القادمة مباشرة من زمن "المجاهدين الأفغان"، والأحلام الغريبة التي ما زالت تحمل غبار "تورا بورا"، حصلت على تغطية إعلامية لافتة.

كان هناك، على غير العادة، مساحة واسعة للإعلام لكي يغطي كل راية وكل لافتة وكل هتاف في المسيرة.

لم يتم الاعتداء على الكاميرات ولا الصحافيين ولا الهواتف النقالة، كل شيء كان مباحاً ومسموحاً به، حتى ذلك الشاب الذي واصل القفز والصراخ على كل شيء تقريباً، حصل على حصة وافرة من الصور.

لا يحدث هذا التسامح كثيراً في قطاع غزة تحت حكم "حماس"، ويمكن هنا، من باب التأمل استحضار نماذج كثيرة لمسيرات لم يتمتع منظموها والمشاركون فيها بمثل هذه المرافقة المتسامحة، مثل احتفالات "فتح" بانطلاقتها أو صور ياسر عرفات، فتح بوضعها المتهالك وبتياراتها المتصارعة ما زالت قادرة على تمثيل الأغلبية الشعبية في القطاع، أو الاحتفالات بالأيام الوطنية، أو وقفات احتجاجية نقابية، أو حتى مسيرات مشابهة مرتجلة حاولت إبداء "نصرتها" للرسول بعفوية الشارع .

المثال يأتي من نفس منطقة مسيرة الأسبوع الماضي المدللة ويعود لسنوات حين تم القضاء بدم بارد على مجموعة شبيهة احتمت في أحد مساجد "رفح"، المسجد تحول ببساطة متناهية ودون رأفة الى قبر واسع للمجموعة وشيخها، الذي لم يحظ بفرصة توضيح موقفه ومفهومه لفكرة الإمارة التي اقترحها.

لم يحصل، خليفة رفح المتسرع على وقت لتلقي البيعة، لم يقرأ جيداً الإشارات ولم ينتبه، على وجه الخصوص للحدود المسموح بها، تلك التي تفرق بشكل حاسم بين "الدعوة" التي تصب في النهاية في طاحونة انقلاب حماس، وتسمح للإخوان بالسيطرة على منطقة الوسط "المعتدلة"، لنحصل على "الاعتدال"، علينا أن نوفر مساحة مأمونة ومسيطر عليها تماماً إلى اليمين قليلاً من وقفة "الانقلاب"، تسمح لمتحمس مثل "الخليفة المتسرع" بعرض بضاعته، وبين المطالبة بالسلطة، حتى لو كانت خارج سياق المنطق كتلك التي طالب بها خليفة رفح.

مهمة هذه التيارات السلفية هي بالضبط تحصين "اعتدال" جماعة "الإخوان المسلمين" و"وسطيتها"، وليس المطالبة بحصة من الكعكة.
هذا يحدث الآن في مصر وفي سوريا وتونس، على سبيل المثال.

أمير رفح أو خليفتها لم ينتبه لكل هذا وذهب أبعد قليلاً مما يجب، كان ذلك الخطأ كافيا لتتم عملية دفنه سريعا مع دعوته وأنصاره ومسجده.
يوجد في غزة الآن خلفاء كثيرون، خلفاء وأمراء ودعاة في كل زاوية يمكن الحصول فيها على مريدين وأتباع، ولكنهم جميعاً استفادوا من العرض الذي جرى في رفح، لا يشبه الأمر الخلايا المختفية والمستقلة النائمة في نظام يعاديها، الأمر هنا أقرب إلى العيش في دفيئة ضمن شروط آمنة ومدروسة، ثمة اتفاق مضمر وواضح :

أنتم هنا لأننا هنا، نحن سبب تنفسكم الوحيد.

بينما يمكن لسكان الدفيئة الإنصات الى محركات الدوريات التي يسيرها الجيش المصري خارج السياج، وأصوات الانفجارات المكتومة داخل شبكة الأنفاق و تنشق غبار البيوت التي يجري تجريفها في " رفح " المصرية.

تلك هي الرسالة وهذا هو الاتفاق، رغم أن لا أحد يملك أن يقدم ضمانة أو يتنبأ بالمستقبل في البقعة العجائبية الضيقة تلك.

المسيرة الأخيرة كانت نوعاً من رسالة ثانية أكثر وضوحاً، رسالة من الدفيئة إلى العالم المحيط، واضحة وبسيطة ويسهل فهمها رغم حمولة الابتزاز التي يمكن تبينها بوضوح، رسالة ستصل إلى مقاصدها في القاهرة وتل أبيب وواشنطن بعد مرورها على رام الله.

هؤلاء هم البديل إن واصلتم تقويض سلطة "الإخوان المسلمين" في غزة.