السبت 24 يناير 2015 / 15:00

رجل القرار والتحديات




أهم خصائص الملك عبد الله بن عبد العزيز، أنه الرجل الذي عبر المضائق الضيقة، وأوصل سفينته الضخمة إلى شاطئ الأمان، بعد أن هبت عليها العواصف والأنواء من جهات الأرض الأربعة.

من منا ينسى مضيق الحادي عشر من سبتمبر، الذي حاولت قوى نافذة في الولايات المتحدة والعالم، تدفيع المملكة العربية السعودية ثمن ما قام به مغامرون في قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وضد عناوين نظامها وجبروتها.

ومن منا ينسى أداءه المميز والمسؤول، حين دفع بثقله وثقل المملكة الكبرى، وراء مشروع سلام جريء وعملي لحل النزاع العربي الإسرائيلي، اذ لأول مرة في التاريخ، يسد العرب خانة كان العالم يعيرهم بعدم وجودها، وهي رؤيتهم للسلام وشروطهم الموضوعية والواقعية لهذا السلام.

ومن منا ينسى القرارات الكبيرة والنوعية، التي اتخذها الملك الشجاع داخل بلاده، وفي مؤازرة أشقائه الأقربين من دول الخليج، وفق نظريته التي آمن بها تجاه حماية العمق الخليجي والعربي والإسلامي لقضايا الأمة التي ما فترت همته في دعمها وصيانتها وإبعاد الأذى عنها.

ومن ينسى جهوده لرأب الصدع الفلسطيني، حين رأى الأشقاء يندفعون إلى متاهة حرب اهلية، فبادر في الوقت المناسب أي في الدقيقة المناسبة، لدعوتهم إلى مكة لإنهاء اقتتال الأخوة وإرساء وحدة وطنية للشعب الذي أوصى به الملك المؤسس عبد العزيز، والتزم بالوصية كل من جاء بعده من ملوك وأمراء ومسؤولين، لقد غضب للفلسطينيين حين ظُلموا وغضب عليهم حين ظَلموا أنفسهم، إلا أنه رضي أخيراً بعد أن زال خطر الحرب الأهلية ، دون وبكل أسف وأسى أن يزول الانقسام.

ثم من ينسى وقفة الشهامة والعزة التي بادر بها في الوقت المناسب، وبالحجم المناسب، لنصرة مصر والاسهام القوي لإبعاد الخطر المحدق بها رغم كل ما نعرف عن الخطوط الحمر التي وضعتها الولايات المتحدة، وحذرت كثيرين سراً وعلناً من تجاوزها في أمر مصر، وما وقع على أرضها من فتن ومؤامرات ومحاولات تخريب.

هذه نماذج لا تغطي كل شيء فعله هذا القائد المستنير والشجاع ، فخلال السنوات الطويلة التي نهض فيها بأعباء الحكم في بلد نوعي سياسيا واقتصاديا وجغرافيا ودينيا، وجد عبد الله بن عبد العزيز المعادلة التي استعصت على كثيرين غيره وهي عدم الاذعان لمعادلات القوة السائدة، بل وعدم الخشية من الاثمان الفادحة التي يلوح بفرضها عليه وعلى بلاده لو خرج عن الاسقف المألوفة والمتكرسة، مفضلاً ترجيح كفة القيم التي ألزم نفسه بها تجاه شعبه وأمته ما أرغم "المهدِدين" على احترام معادلاته وقراراته من خلال حتمية احترامهم لمكانة الرجل وقدرات بلاده وما يمثل.

لقد رحل عميد جيل الكبار من رجالات هذه الأمة، تاركاَ وراءه رصيداً من المآثر والانجازات، ما يمكن أن يبني عليه خلفه ورفيق رحلته الطويلة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

الملك الجديد لم يكن يوماً بعيداً عن القمة في المملكة، كان رفيقاً حميماً وفعالاً لكل أشقائه الذين توالوا على العرش السعودي، كان صديقاً قريباً لكل المبدعين في عالمنا العربي والإسلامي، كان رجل دولة والتزام وإنجاز، وهذا ما يجعلنا على يقين من ان الكبار حين يرحلون فلن ترحل مآثرهم معهم فهنالك من يمسك بالراية ويؤدي الامانة ويحقق سنة التواصل والاستمرار.

رحم الله عبد الله بن عبد العزيز، وأعان الله خلفاءه على مواصلة التقدم بالمملكة وبالأمة العربية والإسلامية في أصعب التحديات وأحرج الظروف.