السبت 24 يناير 2015 / 15:05

مصر والسعودية مع العهد الذي بدأ: "استمرار التعاون" سيد الموقف



ما إن أُعلن عن وفاة العاهل السعودي السابق الملك عبد الله بن عبد العزيز حتى ثار في القاهرة تساؤل عريض عن مستقبل العلاقات المصرية ـ السعودية، وراح كثيرون يدلون بدلوهم مدفوعين بأهمية السؤال وضرورة الإجابة، فقرأنا وسمعنا آراء سياسيين ودبلوماسيين وباحثين وخبراء ومفكرين وأدباء، بل إن رجل الشارع العادي لم يتوان في إبداء رأيه. وتشابهت الإجابات على قدر الأمنيات، ووفق ما جادت به الساحة السياسية السعودية الداخلية التي دارت حول ما قاله الملك سلمان بن عبد العزيز من أنه "سيسير على نهج سلفه".

وهذا السؤال دار أيضاً في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وربما في كل البلدان على قدر الدور الذي لعبته المملكة في عهد الملك عبد الله، والذي تداخل وتقاطع وتفاعل مع ملفات عديدة، سياسية واقتصادية. وأعتقد أن الإجابات التي تم تداولها في هذه البلدان كافة لا تختلف عن تلك التي دارت في رؤوس المصريين، ورسمت في مخيلاتهم، وجرت على ألسنتهم.

وقد مرت العلاقات المصرية ـ السعودية بمراحل متعاقبة مختلفة في إيقاعها وتوجهاتها من زمن كانت فيه أرض الحجار واقعة في مرمي "المجال الحيوي" لمصر، إلى زمن "الحرب العربية الباردة" أيام حكم عبد الناصر، ثم "الاعتماد المتبادل" وصولا إلى تكوين "الكتلة العربية الحية" ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين ضمن هذا الإطار الذي ينفتح على الأردن والمغرب، ووصل الأمر إلى حد طرح فكرة "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين هذه الدول.

وفي ركاب هذا ارتقت علاقات القاهرة والرياض إلى مرحلة مختلفة، انتقلت فيها من التعاون التقليدي إلى التنسيق المتين في بعض الملفات لاسيما مواجهة الإرهاب وأمن الخليج وفوضى الحال اليمينة.

هذه المرحلة بدأت بالبيان الذي أصدره الملك عبدالله عقب فض تجمعي "رابعة" و"النهضة" وانحاز فيه بكل كيانه وثقل بلاده إلى مصر، ووصف ما يجري فيها وقتها بأنه مواجهة دولة لتنظيمات تمارس العنف والإرهاب وتروم الفوضى والاضطراب. ودعا المصريين والعرب والمسلمين إلى التصدي لكل مَنْ يحاول زعزعة أمن مصر، وقال "إن السعودية شعباً وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة" وأكد دعمه ومساندته لمصر وشعبها ورفض أي تدخل في شؤونها.

ولا تزال هذه المرحلة جارية وسارية الآن، ولا أعتقد أن تغير القيادة في السعودية سيؤدي إلى انتهاء هذه المرحلة سريعاً، بل من المتوقع أن تستمر في المستقبل المنظور، ليس لحرص مصر على بقاء العلاقات مع السعودية عند هذا الحد، بل نظراً لأن الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التعاون الوثيق بين البلدين لا تزال متواجدة، وربما تتعزز أيضاً. فالإرهاب لا يزال يشكل خطراً على البلدين وكل دول المنطقة، مع ظهور داعش، والاضطراب في اليمن يتصاعد مع سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور، وللقاهرة والرياض مصلحة في إنهاء هذا الوضع وعدم انزلاق اليمن إلى الانفصال بين شطريه أو السقوط في هاوية الحرب الأهلية الطويلة أو تغلغل النفوذ الإيراني هناك إلى ما هو أبعد من هذا. وقضية أمن الخليج لا تزال تجمع بين البلدين، وهي مسألة يصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنها "خط أحمر" لمصر، والوضع في سوريا يوجب تقارب وجهات النظر بين البلدين في الفترة المقبلة، سواء لمواجهة تصاعد الرقم الإيراني في المعادلة أو تعزز تواجد المتطرفين المنتمين إلى داعش والنصرة وغيرهما، أو لسقوط سوريا في فخ التفكك.

وأعتقد أن الاستمرارية في السياسة الإقليمية للسعودية هي الاحتمال الأرجح، فطرق معالجة المسائل المرتبطة بها والتي بدأها الملك عبد الله سيسير عليها الملك سلمان، الذي لم يكن بعيداً عن صناعة السياسة المحلية والإقليمية والدولية للمملكة في الفترة الأخيرة، لاسيما مع تدهور صحة الملك الراحل. كما أن السياسة السعودية تحكمها محددات وثوابت وفق ما يدركه ويقرره السعوديين لما يخدم المصلحة الوطنية لبلادهم، وهذا التصور يؤدي إلى ضرورة التنسيق مع مصر في عهد الملك سلمان، الذي نقل عنه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر قوله: "مصر عمود الخيمة".