الأربعاء 28 يناير 2015 / 00:59

أليخاندرو غونزاليس: التقاليد لعنة للفن

ترجمة: محمد هاشم عبد السلام

ترشح فيلم "بيردمان" الحاصل على جوائز عالمية، للمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، لتسع جوائز ضمن القوائم القصيرة للأوسكار.

وأجرى الناقد والصحافي ستيفن ميرز، حواراً مع أليخاندرو، صاحب "21 جراماً، وبابل، وأموروس بيروس، وبيتفول"، ليتحدث عن فيلمه الجديد ومشاريعه المقبلة.

-يصف "بيردمان" حالة عدم الأمان التي تصيب الفنانين، إذ يفصح هموم شخصية مايكل كيتون، هل لديك "بيردمان" خاص بك؟
نعم، بالتأكيد، نسر، يمكنني القول!.

- هل سبق أن تحدث إليك من قبل عن أي شيء كنت ترغب بالقيام به؟
نعم، كما تعرف، في العملية الإبداعية أعتقد أن كل إنسان واجهته الشكوك والتناقضات والعيوب، وهذا جزء منها، تلك هي الصفقة المعقودة معها، إنه جزء من تعقيدها، لأنها شديدة التناقض وهذا ما يجب أن تكون عليه، أعتقد للتحرك خطوتين للأمام وواحدة للخلف، ومن ثم، فإنها عملية مُعذبة ومريرة، وأحياناً أكثر من هذا للبعض دون البعض الآخر، لكن بصرف النظر عن شخصك فإن عليك المرور بها.

- ذكّرَني العمل بفيلم "ازدراء" لجودار، إذ أن كل من اشترك في هذا العمل الجماعي متورط بطريقة أو أخرى، الممثلون الذين يأخذون أنفسهم على محمل الجد، المناصرون، النقاد، الجميع أيديهم ملطخة بالدماء، أتساءل إن كنت تحاول الإدلاء ببيان متعلق بأي مدى يولد الفن ليس فقط من النوايا النبيلة، وإنما الأنا، والنرجسية، والضعف؟
نعم، أعتقد أن الفيلم تناول هذا كثيراً، ما هو الفن وما هو التجاري، طوال الوقت، يتعامل الفنانون مع هذه القضية، خاصة في السينما، عندما يكون المال شريكاً في هذه العملية، تلك مأساة السينما، التي هي صناعة وفي نفس الوقت فن وأداة للتعبير الشخصي، وفي الوقت ذاته وسيلة للترفيه عن الجماهير، وهذا النوع من التوازن من الصعب جداً توجيهه أو التحكم فيه، خاصة اليوم، في ظل قواعد اللعبة، "ازدراء" أحد أفلامي المفضلة، ودائماً ما كنت أسأل نفسي كيف نجح جودار أو بيلي وايلدر أو ماكس أوفلس في القيام بهذا.

- أود أن أسأل عن شخصية الناقدة التي أدتها "ليندساي دنكان"، إذ بدت أقل مما يبدو عليه صحافي حقيقي، بتجسيد هذه الفكرة عن النقاد الذين يتمتعون بسلطة مطلقة، هل هذا تقييم مُنصِف؟
بالنسبة لي، أعتقد أنها تمثل كل ما كانت تخشاه شخصية كيتون طوال حياتها، في أجواء الفيلم، حاولت أن أجعلها تعبر عن إحباطها من أن المسرح احتله كل ما هو سيئ ودعائي وتجاري، هذا الرجل الذي يمثل كل ما تكرهه.

- برأيك ما هو دور الناقد اليوم؟
شخصياً أشعر بالشفقة عليهم، إذ عليك أن تشاهد 700 فيلم في السنة، وأنا متأكد من أن 95% منها سيئة حقاً، أشاهد أفلاماً، لكن فقط تلك التي أعرف أنها ستروق لي، لكنني كنت عضواً في لجنة تحكيم بمهرجان ما، ومن بين 20 فيلماً، شاهدت اثنين جيدين، وواحداً استثنائياً، و16 فيلماً لا يحتمل، وكان لتلك الأفلام تأثيرها العميق عليّ، إذ سممتني بطريقة ما.

- قبل فترة ليست بالبعيدة تحدثت عن أفلام البطل الخارق، قلت عنها إنها سامة ويمينية بطبيعتها؟
الأبطال الخارقون يمثلون رؤية لبشر لا تشوبهم شائبة ويتسمون بالثقة واليقين، وكل تلك الأشياء التي هي إسقاطات وهمية لما ينبغي أن يكون عليه البشر، إنها فاشية تقريباً، ثمة ما هو مخيف جداً فيما يتعلق بهذا الأمر، بهذا التكبر، بالنسبة لي البشر على النقيض تماماً، لم يسبق لي أن التقيت بإنسان على هذا النحو، إنني مهتم أكثر بالبشر، الذين أجدهم أكثر عمقاً وتناقضاً وعيوباً وتقودهم المخاوف والقلق، لكن في الوقت نفسه، على قدر من الجمال، وإثارة الشفقة، أظن أن قيم الأبطال الخارقين هي بطريقة ما متأثرة بالكيفية التي يعمل بها العقل العسكري.

- قال جودار، أفضل طريقة لنقد فيلم هي أن تصنع فيلماً آخر، وعلى هذا النحو فإن "بيردمان" هو نقدك لمجتمع مشبع بالقيمة الفاشية على الشاشة؟
جميع المواضيع التي يتطرق لها الفيلم قريبة مني حقاً، على المستوى الشخصي، تأثرت بها ولديّ فضول حولها وأنا جزء منها، ليس شيئاً أتأمله فكرياً أو أنا منفصل عنه، أنا جزء من المشكلة، لكن أظن أن هذا السبب في أنها رحلة مهمة ورائعة بالنسبة لي، كي أقوى على طرد العديد من الأفكار التي لديّ، من خلال هذه القصة وتلك الشخصيات، لأنني متعاطف معها كلها، إذ كنت كل منها، لذلك ليس لديّ وجهة نظر، ولا أعرف من هو على حق، لا أعرف إن كانت إيما ستون محقة فيما تقوله لوالدها، أحياناً يمكنني التعاطف معها، وأحياناً يمكنني التعاطف معه.

- الفيلم ليس سياسياً على نحو صريح، لكنك تقول إن أفلام الأبطال الخارقين رجعية، يبدو الأمر كأنك تقول إن المحافظة هي لعنة بالنسبة للفن؟
نعم أعتقد هذا، لا أدري إن كنت تعرف أن النوتة الموسيقية للفيلم رفضت من جانب فرع الموسيقا في الأكاديمية، الجهة المانحة للأوسكار، لأنهم اعتبروا أن الموسيقا الكلاسيكية، المستمدة من موسيقا موجودة بالفعل، تطغى على العاطفة بالفيلم، وأنا لا أتفق مع هذا، لأن النوتة الأصلية للدرامز مساحتها أكبر مرتين من مساحة الموسيقا الكلاسيكية. لجنة الموسيقا ربطت العاطفة بالآلات الوترية، لكنها لم تستطع ربط العاطفة بالدرامز، بالنسبة لهم، الدرامز ليس آلة بنفس جودة أو عاطفية أو تناغم الجيتار أو البيانو، لذلك نعم، أعتقد أن الأعراف لا تسمح للتعبير أن يتطور بطرق مختلفة.

- إنني واثق من أن الكثير من الناس قد يلاحظوا أن هذا الفيلم أخف في لهجته من أعمالك الأخرى، هل هذا نابع من المادة أم تغير ما في نظرتك؟
لا أظن أنني قمت بتغيير موضوعات أفلامي، فقط غيرت النهج، أحياناً عندما ترى كيف أن بعض الناس في هذه الصناعة يشكون من مدى صعوبة أن تصنع فيلماً، لكني أدركت أنه إذا أخذت معاناة تلك الأمور الوجودية على محمل الجد، فإنني أخون الطبيعة الحقيقة للجانب المثير للشفقة منها، هناك جانب مثير للشفقة حقاً للأنا التي هي بحاجة للاعتراف، والإشادة، والتحقق.
ثمة شيء، إذا انفصلت أو أبعدت نفسك قليلاً، ستجده هزلياً أكثر مما هو مأساوي، لكنني عرفت أنه لو تناولته بجدية بالغة، سيكون مثيراً للشفقة مثل كل شيء آخر، لذلك أفضل تناول الواقع المأساوي للعقل المُعقد أو المُركب للفنانين برؤية أو تصور مرح، الأمر أكثر صدقاً على هذا النحو.