الأربعاء 28 يناير 2015 / 01:18

صورة العربي بريشة الإعلام الأوروبي



كيف تشكّلتْ صورةُ العربيّ في أوروبّا؟

ولماذا تحمّضت بهذه السلبية والتشويهات التي التقطها المخيالُ الأوروبي، خلال العقود الأخيرة الزاخرة بالأحداث السياسية الساخنة المتلاحقة وبالثورات الإعلامية المتعاقبة؟

إنّ صورة العربي لوحة فسيفساء تشكلت وتمخّضت فأظهرتْ رجلاً مهاجراً جاء من دول حديثة الاستقلال للقيام بأشغال يستنكفُ منها الأوروبي، وهو كثير النسل، وكثير الإنفاق في نوادي الليل و يحبّ الزواج بأربع نساء.

عندما كان الأجانب الأوروبيون يأتون لغرض السياحة إلى بلدان المغرب العربي، كانوا يعبّرون عن اندهاشهم إذا شاهدوا طرقًاُ ومواصلاتٍ وفنادقَ وسياراتٍ ومطاراتٍ حديثة ً، وذلك لأن الصورة التي يحملونها عن العرب هي أنهم يعيشون في خيام ويمتطون الحمير والجِمال، ولا يملكون غير الصحارى والثروات الطبيعية والشمس الحارقة والبحر الذي لا يرتاده العرب، ويتداوون بالأعشاب والسحر والشعوذة.

وحين تقدّم الصراع على ساحة المعركة في الجبهة العربية الإسرائيلية، أضاف الكفاح المسلّح لوناً آخر في صورة العربي فصار هو الإرهابيّ الذي يحوّل وجهة الطائرات لتحويل ونظر العالم الى قضيته، ولا حديث عن مجازر إسرائيل إلا باعتبارها دفاعاً عن النفس.

وكان لا بد للعرب أن ينتبهوا إلى أن الإعلام الصهيوني قد استولى على كل الآلة الإعلامية التي تصنع الصورة في الرأي العام الغربي، ولم تكن الجهود الفردية كافية للتعريف بحقيقة تاريخ العرب وتاريخ الاسلام.

هكذا هي صورة العربي!

وكان لابد من الثأر والانتقام من هذه الصورة المشوهة والعمل على تصحيحها، فقامت جهود فردية كثيرة، إلا أنها كانت ضائعة مثل قطرات مطر في أرض شققها العطش، فالجهود الفردية في ذلك الغرب الواسع الشاسع، لم تقدر على إعطاء الصورة الحقيقية للعربي وللثقافة العربية التي لا يعرف عنها الغرب إلا النزر اليسير.

من هنا حاولت الدول العربية أن تثأر رسمياً وتنتصر للعرب والثقافة العربية الإسلامية حين توحدت مجهودات أكثر من دولة عربية، تم الاتفاق سنة 1980 على إنشاء مؤسسة تدعى: "معهد العالم العربي" في قلب باريس، فقد تأسس المعهد في غمرة الحماس من أجل تحسين صورة العربي باعتباره صاحب مجدٍ ثقافيٌّ وفضل سابق على حضارة أوروبا، ومن واجب أوروبا أن تقدر جهد العرب القدامى، ومن واجب العرب المعاصرين أن يقوموا بما يجب أن يقولوا: هذه صورتنا التي لم تعرفوها.

هذا هو معهد العالم العربي الذي يدخل عقده الرابع باعتباره مؤسسةً قائمة بمفعول قرار فرنسي، وأُنشِئت لتكون أداةً للتعريف بالثقافة العربية ولنشرها وتطوير معرفة العالم العربي وبعث حركة أبحاث معمقة حول لغته وقيمه الثقافية والروحية.

والسؤال هو :
ماذا كانت نتائج تأسيس هذا المعهد المهيب المطل على نهر السين وقد عقدت عليه آمال عربية شعبية ورسمية؟

هل يستطيع "معهد العالم العربي" وهو يدخل عقده الرابع ، أن يقدٌم أكثر من مجرد التنديد بجريمة "شارلي إيبدو"؟ وهل بإمكانه أن يطرح مسالة صورة العربي والمسلم المشوهة والتي صورة لم تتحرك في الرأي العام الأوروبي إلا في الاتجاه السلبيّ، وهي بحاجة دائمة إلى المزيد من الفهم والإصغاء والحوار بدل التجاهل والاحتقار.