الخميس 29 يناير 2015 / 15:56

إيران بحماية "الشيطان الأكبر"




ردت إيران على إسرائيل في جنوب لبنان، وتحديداً في مزارع شبعا غير مُرسمة الحدود أساساً.

عملية القنيطرة التي راح ضحيتها مجموعة من مقاتلي وقيادات حزب الله اللبناني وجنرال إيراني كبير يُدعى علي دادي يُعتبر ظلّ قاسم سليماني الرجل الأمني الأوّل في إيران، كان الردّ عليها باستهداف موكب أمنيّ إسرائيلي في مزارع شبعا أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين.

رد الفعل الإسرائيلي كان محدوداً. في العام 2006، خطف جنديين أدى إلى حرب مدمرة استمرّت 33 يوماً. قتل الجنديين لم يُسفر إلى عن بضعة قنابل وتحليق للطيران فوق الجنوب اللبناني. تغيّرت المعادلة وليس حزب الله من يُقررها. الأوهام التي يبيعها هذا الحزب لا تمرّ دائماً. عملية مزارع شبعا واضحة في هذا الإطار. القرار الإيراني يأتي في زمن آخر، لا يُشبه العام 2006 بشيء. والرد الإسرائيلي المحدود، أيضاً يشي بكثير من المتغيرات.

النقاش في أن حزب الله يُدخل لبنان في حرب لا يحتملها هو نقاش عقيم. حزب الله يُنفذ سياسة إيران لا أكثر. يفاخر أمينه العام أنه جندي في جيش ولاية الفقيه. من هنا، يتحوّل كل حديث عن عملية مزارع شبعا إلى ما هو أكبر من كلام لبناني. الرسائل أكبر من تلك البلاد الصغيرة التي لا تقدر على أن تحكم قلّة من أبنائها. طهران تتحدى تل أبيب، وطهران صارت في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما تُنافس إسرائيل على حُب ما كانت تسمّيه في أدبياتها "الشيطان الأكبر".

حتى لو كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو يريد الحرب، فلن يتحقق له ذلك، أقلّه الآن. أوباما واضح في سياسته، منذ أكثر من سنتين قالها علناً: بين تطرّف شيعي وتطرّف سني، أفضل الشيعي. هذا ما يحكم سياسة الإدارة الأمريكية في عهده. هذا أيضاً ما يجعل من إيران الطفل المدلل لدى "الشيطان الأكبر". الدولة التي حكمت العالم لم تعد كما كانت. لم تعد ذلك الشرطي. المحادثات النووية الآن هي الأولوية. كان حزب الله يقوم بالرد الإيراني على عملية إسرائيل في القنيطرة من جنوب لبنان، وكانوا دول (5+1) يحددون اجتماعهم المقبل في استنبول مع طهران بشأن برنامجها النووي، لاستكمال المباحثات. لعلّ الإسرائيلي أيضاً يستطيع قراءة ما يجري من حوله.

لا تعدو أخبار المقاومة وعودتها كونها رسائل بالحديد والنار لا تمت إلى فلسطين بصلة. اليوم، يتنافس الإيراني والإسرائيلي في غير مكان. مناوشات وعمليات هنا وهناك لا قيمة لها كثيراً. المُهم الآن، من يكسب ودّ الولايات المتحدة. المنافسة على الحب لا على الحرب، من الآن حتى نهاية الفترة الممددة لمباحثات النووي. نتنياهو خائف من تلك العلاقة الناشئة والتي تتقدم بسرعة. يحاول وقفها، لكنه لا ينجح، يناور ويقصف، من دون أن يقدر على جرّ إيران إلى حرب لا تريدها. الأخيرة تعرف ما تريد أكثر. دور حزب الله محدد وواضح الآن. لا مواجهات، الزمن لعلاقة مميزة مع "الشيطان الأكبر"، الذي يبدو يريدها كما تريدها طهران. بين هذا وذاك، طبيعي أن يحار نتنياهو وجيشه بعد عملية شبعا.

تغيّرت الأمور كثيراً. مع أوباما، لم تعد العلاقة بإسرائيل فقط على سلّم الأولويات. صار بإمكان البيت الأبيض أن يرفض استقبال نتنياهو. هكذا قالت إدارته يوم الخميس الماضي. سريعا نددت بالإعتداء، لكنهما أيضاً مررت رسالتها إلى تل أبيب: الحرب ممنوعة. باءت محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي تغيير الموقف الأمريكي تجاه طهران بالفشل. هو عليه أن يشعر فعلاً بالخوف. منافسه شرس وذكي وخبيث. مثله تماماً. لكن هذا المنافس يسبقه بأشواط الآن، لأنه لاعب أساسي في نزاع كبير تشهده المنطقة بأسرها. يستفيد الإيراني، فيما الإسرائيلي يحاول قطع طريقه نحو البيت الأبيض من دون أن ينجح.

عملية مزارع شبعا، جعلت الكثيرين يعيشون الوهم. هناك من اعتبر أن إسرائيل قد تنتهي، وهناك من صدق أن إيران تهتمّ لفلسطين. عملية شبعا، ترسم خطوط لعبة مضبوطة بين الطرفين. الأهم في الصراع هو من يربح قلب أوباما.

جميلة تلك الشعارات أمس الأربعاء. الانتصار وما إلى هناك من مسكنات وأحلام، الإنتقام للقنيطرة، توازن الرعب. الكل يتلهى. الإيراني يراوغ على جاري عادته. يُراوغ بالسوريين واللبنانيين، ثُم يذهب إلى أحضان "الشيطان الأكبر"، واثق من العلاقة، يمشي ملكاً.