الجمعة 30 يناير 2015 / 16:21

هذه هي الحرب



ساند الأردنيون "صدام حسين" في ثلاثة حروب خاسرة، أرسل فيها الرئيس العراقي الراحل مئات الآلاف من الشباب العراقيين إلى الحتف أو الأسر أو الضياع. خاض الحرب "الضرورة" فذاع اسم "صدّام" بين أبناء الأردنيين، وذهب إلى الحرب "المغامرة" فأصبح في كلِّ حي "صدّام حسين"، وهو غالباً طفلٌ يتهيأ للعبوس. فُرضَت عليه الحرب الثالثة، ولمّا أعدم في مشهد الأضحى الشهير صار "سيِّد الشهداء"، ويقام له حفل سنوي في ذكراه، في الكرك تحديداً، واسمه الآن مقاطع طويلة من الترحم والمغفرة ورضى الله.

الأردنيون هم منْ شاهدوا صدَّام حسين يبتسم على القمر، وفي ساحات المدينة الرياضية الخضراء صاغوا قبل 25 شتاءً الهتاف الشهير "بالكيماوي يا صدام". وبالنسبة للأردنيين لم يخطئ "صدام" في قرار الحرب، ولم يكن له يد في إفقار العراق، كان دائماً منتصراً بالنسبة للأردنيين حتى وهم يشاهدون العراقيَّات المُسنّات يبعن السجائر على أرصفة الزرقاء والساحة الهاشمية، في أدنى نتيجة لـ "أم المعارك".

هذه الاستعادة ضرورية وأنتَ تشاهد خفة القلب التي بدا عليها الأردنيون وهم يتابعون أخبار الطيار الأسير "معاذ الكساسبة". لا يمكن لأيِّ متابع أن يصدِّق أن الناس التي لم تكن ترى خطأ واحداً في سيرة معارك صدام حسين، يطالبون بهلع الانسحاب من التحالف الدوليِّ ضدّ داعش؛ إلا إذا كنتَ تعرف جيِّداً الفرقَ بين أن تشاهد مباراة كرة قدم عبر التلفاز الثلاثيِّ الأبعاد، أو أن تسمح لأطفال الحيِّ باللعب في حديقة المنزل!

تفتح فيس بوك الأردني فتشاهد مطولات تدلُّك على أخطاء النظام غير القابلة للاستدراك لمشاركته في الحرب، رغم أنَّ مشاركة الأردن ليست، في كلِّ تكاليفها المالية والبشرية والسياسية، أكثر من خسائر نهار مشمسٍ في حرب الثماني سنوات. ووقع "معاذ" في الأسر، ربما يكون مفهوماً، أن يحزن الأردنيون الذين لم يشاهد أكثرهم حرباً خارج التلفاز، وأن يبالغوا أيضاً في ردود الفعل والتعاطف، لكن الذي يظلُّ مستغرباً أن يطالب الأردنيون تحت "شعار ليست حربنا" بالانسحاب الفوريِّ لمجرد وقوع طيار بالأسر واحتمال تعرضه للقتل.

هي الحرب، عزيزي المواطن الأردني، التي كنتَ تشاهدها عبر التلفاز، ثمَّ تنزل إلى الشارع لتناصر بالحنجرة طرفاً فيها، وعلى يمينكَ رجل الأمن يزودك بالماء والعصير المحليِّ. إنَّها إنْ اقتربتْ أو ابتعدت، لا يمكن لحربٍّ أنْ تنتهي بخسارة طيَّار، أو رغبة عاطفية لفرع من عشيرة، فـ "معاذ" لم يصعد طائرته إلا وهو مؤمن بقيادته، وإلا لكان هبط على ضفاف الفرات، وأطلق لحيته مع لحى داعش.

صفّقتَ أربعة وعشرين عاماً لحروب "صدام حسين"، وكنتَ تشاهد جموع العراقيين الخارجين إلى ساحات بغداد بخاطر صلب أو مكسور لتأييد "الضرورة" و"الضرورات" كلِّها. لم يطلب منكَ رجل الأمن الأردنيّ أن تنزل إلى الشارع بأيِّ خاطر كان لتؤيِّد الحربَ، يمكنك أن تبقى في بيتكَ حتى انتهائها، ولا بأس لو استعدتَ واحداً من خطابات صدام حسين التي كانت تنتهي بـ "الله أكبر وليخسأ الخاسئون"، فربمّا تطلب على الفور تأمين طائرة إف 16 وتحلِّق فوقَ الفرات؛ وتقول لمن هم أسفل: هذه هي الحرب!