السبت 31 يناير 2015 / 11:56

يومان في الجليل




تلقيت دعوتين... واحدة للمشاركة كمستمع، والثانية كمتحدث، والدعوتان جاءتا من مكانين هما الآن من أهم الأماكن في الدائرة الفلسطينية الإسرائيلية... كفر ياسيف حيث مؤسسة محمود درويش الثقافية، وكانت الندوة حول القائمة المشتركة التي بلورتها العديد من الأحزاب والقوى السياسية العربية لخوض معركة الكنيست، وهذا أهم موضوع محلي الآن، ولا ينافسه إلا موضوع آخر ومركزه مجد الكروم، القرية الفلسطينية التي تقع في مرمى حجارة حزب الله والمصطلح هنا من أجل إظهار قرب المسافة.

في كفر ياسيف، جلست مستمعا لشاب في الأربعين من عمره، هو السيد أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة، وإلى جواره ممثل عن رافضي المشاركة مبدئياً في انتخابات الكنيست، وممثلين آخرين عن القوى المشاركة في الانتخابات، وعلى مدى ساعتين من الأسئلة والأجوبة خرجت بمحصلة أفادتني كثيراً كسياسي وكاتب، فقد رصدت تطورات إيجابية في وعي الجمهور ومن سيمثلهم في الكنيست القادم، وأهم تجديد لمسته هو اعتذار عدد من مدمني الكنيست عن الترشح، وتقدم جيل أكثر شباباَ واندفاعاً في التصدي للمهمة الصعبة، ذلك أن العضو العربي في الكنيست يختلف عن زملائه من الإسرائيليين اليهود بضخامة مطالبه وتعقيداتها، فهم المسؤولون عن تحريك ملفات شائكة تتعلق بمصالح المواطنين العرب في إسرائيل، وفوق ذلك فهم مندمجون بالهم الفلسطيني العام، وملزمون برفع رايات النضال الفلسطيني في غابة الكنيست المكتظة بالأشجار المعادية، إلا أن إجماع المتحدثين تجاوز البرامج والمطالب، حيث الجميع متفق عليها قبل المشاركة وأثنائها، لأن ما هو أهم من ذلك هو رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، بحيث يحظى العرب بعدد أكبر من النواب يجعل من الكتلة العربية الموحدة قوة جدية تملك قدرات أفضل للحصول على قرارات في مصلحة المواطن العربي، وقدرات أفعل في منع قرارات مجحفة يعاني منها المواطن العربي في جميع نواحي حياته.

ولا شك في أن العرب الذين يدركون أهمية نفوذهم في الكنيست، لديهم مهمة مركزية لو أحسنوا أداءها لقطعوا شوطاً مهماً باتجاه إثبات وجودهم وترسيخه والتأثير في مجريات الحياة السياسية في إسرائيل، بما يخدم المصالح الاساسية لهم ولشعبهم الفلسطيني.

إن المهمة المركزية التي أجمع عليها كل من رأيت، هي رفع نسبة التصويت، وعلى كل من يملك أداة لذلك أن لا يقتصد في استخدامها، خصوصاً وقد بلغ الاستقطاب الداخلي في إسرائيل اوجه في هذه الأيام .

غير أن هماً آخر رأيته مسيطراً في الندوة الثانية، التي كنت فيها المتحدث الوحيد، ولعل المكان هو الذي قلب الأولويات، وقد فرض علي الجمهور من خلال الأسئلة أجندة يحتويها وربما بصورة كاملة، ما يجري على الجبهة الشمالية من مباراة ملاكمة بالنار بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل على الجهة المقابلة، ولقد عرضت ما لدي مما لم يشف غليل الجمهور، حيث استخدمت كل ما لدي من قدرات ديبلوماسية كي لا يستغل ما أقول بالطريقة المغالية من قبل طرفي الملاكمة، إلا أنني أحببت الاستماع أكثر في جلسة مغلقة يبوح بها السياسيون بما لا يستطيعون البوح به في الندوات .

الذين تحدثوا إلي لمسوا نقطة شدّتني واعتبرتها جديدة إلى حد ما، وهي تتعلق بمفارقة التفوق المفرط لإسرائيل من كل النواحي، وتحت هذا التفوق يستبد ويتعمق الخوف لدى جميع المستوطنين الذين يجاورون القرى العربية في الجليل، فما أن تُسمع جنازير الدبابات المتجهة إلى الجبهة عن الجانب الإسرائيلي، حتى يغادر معظم من هم في مرمى النار إلى أماكن يظنونها أكثر امناً .

وفي الأيام الأخيرة وحين أكثر نتانياهو من تخويفهم والإعلان عن أنفاق حزب الله التي تنتهي في مستوطنات الجليل، حتى صار ساكنوا هذه المستوطنات يتخيلون صوت المعاول تحت بيوتهم، ما يشير إلى أن التفوق في كل المجالات لم يعد كافياً بتوفير الحد الأدنى من الطمأنينة .

إن حمى الانتخابات التي تزداد يوما بعد يوم، والتي عامل الاستقطاب المركزي فيها عند الطبقة السياسية الإسرائيلية، هو الخوف والتخويف بات يحقق نتائج عكسية، إذ ما فائدة التفوق المطلق حين يستبد الرعب بالناخبين .