السبت 31 يناير 2015 / 14:12

البيان وعودة "الصارخ خلف الزجاج "





يمكن اعتبار اللحظة التي هبط فيها شيخ الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي في ميدان التحرير في القاهرة، والمسافة التي استغرقها في الوصول إلى درجات المسرح الذي نصب في الميدان، على وجه الدقة حين بدأ مرافقوه وحراسه بدفع الشباب والشابات المتواجدين على المسرح تلك وإلقائهم خارج الخشبة، في تلك اللحظة التي جرى فيها تفريغ المكان من الناس ليصعد القرضاوي إلى المسرح، إشارة لبدء مراسيم سرقة ثورة 25 يناير.

الشيخ الذي جاء ليبارك عملية السرقة تلك ويمنحها بعداً سماوياً، هو نفسه الذي بارك الحرب الأهلية في فلسطين ومنح الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني أسباباً إلهية. فيما بعد وأثناء حكم مرسي سيعبر إلى غزة من خلال معبر رفح، بموافقة إسرائيلية صريحة، وسيحظى هناك باستقبال استثنائي أقرب إلى تطويب قديس حي، بما فيها تقبيل يديه وتدريم أظافره من قبل رئيس وزراء حماس، قبل أن يصدر فتوى تحرم زيارة القدس على المسلمين.

في ذكرى ثورة 25 يناير وزع القرضاوي شريطاً يطالب فيه المصريين "كل المصريين"، كان يضغط بشدة على "كل المصريين"، للخروج إلى الشوارع والاحتجاج على "الانقلاب"، هكذا يسمي ثورة 30 يناير.
ما يتباكى عليه الإخوان المسلمون منذ الخروج الكبير للشعب المصري في 30 يونيو، وحتى الآن، حالة الإنكار التي تعيشها "الجماعة" منذ ذلك الخروج، أو "طوفان الكراهية، كما أطلق عليه، معجزتهم الإعلامية أحمد منصور"، مروراً بأحداث "رابعة العدوية" واقتراح آردوغان لـ "اللوغو" الخاص بها، لا يمت بصلة لثورة 25 يناير.

محمد مرسي الذي يصرخ وراء الحاجز الزجاجي في جلسات المحاكمة على القضاة والقاعة ورجال الشرطة، هو نفسه الذي كان يصرخ خلف زجاج القصر الرئاسي على المتظاهرين وحرس الاتحادية والطهاة في مطبخ القصر.

الرجل كان دائماً خلف الزجاج، حملوه بصندوقه كبديل مرتجل لـ "الشاطر" الذي اتضح أنه يغش.
عودة "الصارخ من خلف الزجاج" إلى القصر لا علاقة لها أيضاً بثورة 25 يناير.

ما تحاول الجماعة استرداده عبر تسويق قتل الجنود المصريين في سيناء، واغتيال الضباط ورجال الأمن، وتعطيل الجامعات وتفجير محولات الكهرباء وتخريب شبكة القطارات والمترو في المدن المصرية، إلى آخر وسائل العنف، لتقديم مصر للعالم كدولة غير آمنة تحديداً عشية المؤتمر الاقتصادي في مارس (آذار) المقبل، هو "الغنيمة"، الغنيمة التي حصلوا عليها عشية سرقة الثورة.

مهمة ثورة يناير كانت محدودة في جدول أعمال الجماعة، تماماً مثل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الذي سبق انقلاب حماس، وهو الاتكاء على سلمة شعبية للقفز على الحكم، الحكم هو الغنيمة التي سيجري تأبيدها، في مصر وفي غزة.

قد تصلح هذه المقدمة لفهم البيان الذي أصدرته "الجماعة" إثر الهجمات الأخيرة التي نفذتها "جماعة أنصار بيت المقدس" في العريش والشيخ زويد، الهجمات التي راح ضحيتها عشرات الجنود المصريين، والتي جاءت في سياق دعوة الإخوان للاحتجاج والخروج إلى الشوارع، التي توّجها شريط القرضاوي كختم سماوي يشمل "المصريين، كل المصريين".

لم يكن العدد النهائي لقتلى هجمات سيناء قد أعلن بعد عندما بثت الجماعة بيانها عبر قناة الجزيرة مطالبة الجيش بالعودة إلى ثكناته، البيان الذي بدا وكأنه صادر بالوكالة عن منفذي الهجمات "أنصار بيت المقدس"، وهي مجموعة جهادية متطرفة، يشير المختصون إلى أنها تتشكل في غالبيتها من مصريين وفلسطينيين، وكانت أعلنت بيعتها لخليفة داعش أبوبكر البغدادي متجاهلة غزل أيمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن في القاعدة، رغم أن الأخير اختصها بالمديح دون غيرها من المجموعات الناشطة في مصر.

يذكر البيان بخطباء رابعة العدوية وأحلامهم النبوية، وتصريحات محمد البلتاجي الشهيرة الذي خير الجيش بين بقاء مرسي أو تواصل الهجمات الإرهابية في سيناء، قبل فض الاعتصام واعتقاله مع الخطباء والحالمين.
البيان المذكور يذهب إلى أبعد من مجرد دعوة الجيش إلى العودة الى ثكناته، رغم غرابة الدعوة، فهو خطوة جديدة يتخلى فيها الإخوان عن تلك المسافة الشكلية والمدروسة التي حاولوا الحفاظ عليها في المراحل السابقة، بين إطار الجماعة وتعبيراتها السياسية والإعلامية، وبين الإرهاب المسلح في سيناء وصعيد مصر.

ثمة ما يشي بدور ما للجماعة في ما يحدث في سيناء، سواء كان ذلك حقيقياً أم نوعاً من الاستثمار الأسود لعمليات الإرهاب ضد الجيش المصري، فهو دخول جديد يفتقر إلى الحكمة ويشير بنفس المقدار إلى المأزق الذي تعيشه الجماعة أو قيادتها على وجه التحديد.

هذه الأزمة بدت واضحة في الشهور الأخيرة من خلال ارتفاع وتيرة النقد التي شملت قيادتها وسياساتها وهيكليتها وآليات اتخاذ القرارات، ويمكن هنا اخذ ما كتبه مؤخراً أحمد منصور على محمل الجد، حول ضرورة تغييرها، القيادة، بعد اتهامها بالجمود والترهل، وما أشار له بأن ورشة تغيير شاملة تحدث في مختلف مستويات تنظيم الجماعة.

بحيث يبقى السؤال فيما إذا كان هذا البيان جزء من التغيير، أم أنه محاولة لاستباقه.