السبت 31 يناير 2015 / 14:45

أفغنة الأزمة السورية



يحتفظ فهم أطراف الأزمة السورية لأولوياتها بحمولة من "المخاتلة" و"الخداع" مع طغيان الحديث عن التسويات السلمية، وإعادة صياغة التحالفات، وبحث الفرقاء عن قواسم مشتركة، على اتساع مظاهر "الأفغنة" وإفرازها "وقائع جديدة" على الأرض، تبقي الاتفاقيات التي يمكن التوصل إليها قاصرة عن مجاراة ديناميكية المتغيرات المتلاحقة .

انتقال علاقة "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش و"جيش الأمة" الذي كان يقوده أبو صبحي طه من التحالف إلى المواجهة المسلحة والطريقة التي اتبعها الأول في تصفية الثاني لم يكن أول المؤشرات وإن كان إيقاعه الأكثر صخباً، في تكريس مفهوم ظاهرة "أمراء الحرب" على الطريقة الأفغانية .

قد تكمن أهمية هذه المواجهة في تسليطها الضوء على نمطية العلاقة التي تحكم هذه الجماعات، محدودية قدرتها على التعايش رغم تشابه أفكارها، الأساليب التي تتبعها في حسمها لصراعاتها، وبالتالي ذهنية قياداتها.

ما لم تكشفه تلك الواقعة رغم دلالاتها، ظهر لاحقاً، بشكل أكثر وضوحاً، في الصواريخ والقذائف التي أطلقها جيش زهران علوش على أحياء دمشق، دون أية اعتبارات، لإزهاق أرواح المدنيين في قصف عشوائي أقرب إلى عبث لا يقدم ولا يؤخر في مجريات الصراع .

ففي أحد جوانبه يظهر الصراع الداخلي بين أمراء الحرب السورية بعض أوجه الشبه مع صراعات "أبو محمد الجولاني" و"أبو بكر البغدادي" التي هدأتها الوساطات، ولم توقف احتمالات تصاعدها مرة أخرى .

كما يعيد قصف دمشق بالصواريخ إلى الأذهان البراميل المتفجرة التي تلقيها قوات النظام على الأحياء السكنية بشكل عشوائي يؤدي إلى سقوط وترويع الأبرياء .

بذلك يجمع "أمراء الحرب" السورية وهم يستعيدون أجواء صراعات الفصائل الأفغانية بين ظلامية ثنائي "داعش" و"النصرة" واستهانته بأرواح وحريات سكان المناطق التي يسيطر عليها، والنزعات العدوانية التي تظهرها قوات النظام تجاه سكان المناطق الخارجة عن سيطرتها.

الوصول إلى هذه المرحلة ، لم يكن ممكناً لولا الاستجابة الضمنية التي أظهرتها بعض قوى المعارضة لظروف عسكرة الحراك السوري وتديينه التي وفرها النظام .

منحى "الأفغنة" ببعده المذهبي نتيجة طبيعية للجهد الذي بذل لتهميش القوى المدنية التي أطلقت "الحراك منذ بداياته" وصمتت بعد عسكرته، عن ممارسات تشكيلات التطرف الديني، على أمل أن تكون عوناً لها في إسقاط النظام، وبالتالي تتطلب استعادة المبادرة اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً وجذرية تجاه ممارسات القتل العشوائي وممارسيها، ورفع الغطاء السياسي والأخلاقي عن اتساع هامش حركة "أمراء الحرب" التي باتت عبئاً ثقيلاً على السوريين، ولا ضير في أن يبدأ التحرك بعمل جدي للإفراج عن ناشطين حقوقيين في سجون هؤلاء الأمراء، وتجريم اختطافهم .